تأملات في ذكرى الانطلاقة…استعادة الوحدة واستنهاض الهمم …!!//د.م.احمد محيسن ـــ برلين

تأملات في ذكرى الانطلاقة…استعادة الوحدة واستنهاض الهمم …!!

وحدتنا الوطنية … ليس لك بد مما ليس منه بد …!!
د.م.احمد محيسن ـــ برلين

إخوتي وأخواتي سلام من الله عليكم ورحمته وبركاته ….!!
لقد آثرت على الدوام أن أحتفل بمناسبة عيدنا الوطني … يوم انطلاقة ثورتنا الفلسطينية المجيدة في الفاتح من يناير عام 1965 …!!

إن المآسي التي يمر بها أبناء شعبنا … تحفزنا بأن نصر على مواصلة إحياء هذه الذكرى الوطنية الرائعة … ذكرى الانطلاقة … لتذكرنا بالأرضية التي وقف عليها العظماء من أبنا فلسطين … وأطلقوها مدوية عالية … لتعش ثورة عاصفة… ولتبقى أم الجماهير … ديمومة الثورة … وشعلة الكفاح … حتى التحرير … !!

لسان العقل والمنطق يقول … ليس لك بد مما ليس منه بد … وحدتنا الوطنية هي ليس خيار … بل هي بد مما ليس منه بد …!!

تأملات في ذكرى الانطلاقة …استعادة الوحدة واستنهاض الهمم …!!

بقلم/ الدكتور المهندس احمد محيسن ـــ برلين

إخوتي في القضية… إخوتي في المسيرة… إخوتي في الشجون والمرارات… إخوتي في المعاناة… إخوتي في الصمود والتصدي… إخوتي في العقيدة والمبادئ والأسس والمنطلقات والثوابت والركائز…!!

إخوتي في مواجهة الظلم والتسلط الذي نعيشه ونتعرض له على مدار الساعة… من أين نبدأ في ظل الـتأمل بذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية، انطلاقة فتح…؟!

هل نبدأ من خارطة المعاناة والانحياز والتسلط والعذابات وتناثر الأوجاع والتشرد لأهلنا وأحبتنا منذ النكبة،والوجع لأبناء جلدتنا المهددون المستهدفون الذين يبذلون أرواحهم رخيصة، وهم يرابطون رأس حربة في الخندق الأول، يدافعون عن الوطن والكرامة والشرف والعرض والأرض التي تتوق للحرية والعدل… نيابة عن الأمة مجتمعة…؟!

أم نبدأ… من أفواه الثكالى والأيتام والأرامل والمشردين… أم من عيون أطفال فلسطين الذين حرمهم الاحتلال من براءة وحلاوة طفولتهم منذ ما يزيد على الخمسين عاماً… أم من عيون أبناء وأرامل شهداء فلسطين…؟!

أم نبدأ من دموع شجرة الزيتون المباركة… التي تم اجتثاث جذورها من جسد هذا الوطن…؟!

هل نبدأ من الوهن الذي كانت تعيشه الأمة ومازالت… وعذابات الوقوف على الحواجز ونقاط العبور والموانئ والمطارات… والتسلل من بين مخالب قهر العدوان وأنياب ظلم واستبداد الاحتلال، أم من بين أضراس طاحونة المحتل وما تفرزه من ألوان الخنق والهموم المعيشية السوداء، التي تجعل الأمة مكبلة وغير قادرة من الإفلات من خيوطها العنكبوتية…؟!

أن تكون فلسطينياً، حراً صلباً وصاحب مبدأ وكلمة حرة وإرادة لا تنكسر، وأن لا تكون إمعةًّ أو بوقاً، وتأبى الذل والهوان والخنوع والانحناء أمام جبروت الظلمة والظلام والظلم الذي وقع ومازال يقع علينا… وترفض أن تكون خروفاً يُهشُّ عليك بالعصا… فهذا يعني بالضرورة أنك أصبحت متهماً…!

ودفاعك عن كرامتك وتشبثك بأرضك وعرضك ومقدساتك… أصبحت أيضاً تهمةً وإرهابا…؟!

هل نبدأ من الأخاديد وا لمحطات… الجيوب والممّرات… وغرف العمليات… التي ُتَشرح فيها قلوب العباد وعقولهم، وتستأصل فيها الأرواح وتحقن بفيروسات التوهان السياسي والسقوط الفكري والأخلاقي والاجتماعي، لتفتك بها وتغير فيها قوانين ومفاهيم الكرامة والعدل والحرية، وتُقصف بمدافع وقاذفات الاستبدادي والقمعي والقهري، لتُبقي على شروخ وجروح عميقة قائمة في جسد الأمة…؟!

هل نبدأ من الأمراض والآفات المستشرية المتأصلة في بعض صفوف الأمة وكأنها جزء من مكونات الجينات المثبطة للعزائم التي تلقي بظلالها الثقيلة على السير والمسيرة…؟!

أم هل نبدأ من نتيجة ما تم بناؤه لغاية الآن، من برامج تعليم تجهيلية مختلة رعناء، أو ناقصة أو خاطئة أو متناقضة لأمتنا، والتي أوصلتنا إلى ما أوصلتنا إليه من ضعف مأساوي، نعيش فيه بين الشعوب على قارعة الطريق، والتي لم تساهم تلك البرامج في تطوير المواهب والإبداعات والكفاءات لأبناء أمتنا، ليغدو حالنا غير هذا الحال، وما زال عدونا يتحفظ عليها ويريد المزيد من الابتزاز ، منذ النكبة فالثورة والانطلاقة المجيدة وحتى الآن…؟!

هل نبدأ من السعي المتواصل لإرضاء بعض عواصم العالم، وتقديم التنازلات واحداً تلو الآخر… وذلك على حساب قضايانا العادلة، وإصلاح حاضرنا وبناء مستقبلنا، على أسس وركائز قوية، لنكون مجتمع المؤسسات والنقابات، ونعمل بقوانين ودساتير شفافة، وندفن التعسف والتجزّئة والتفكك والضعف والعزلة والاستبداد والتشتت والتخلف والأمية والفقر والتسلط وحمل العصا في وجه الأحرار وتكميم الأفواه ومحاولات إطفاء الأنوار المشعة، ليسود ليل الظلم والظلام والاستسلام للواقع المرير، وتتسع مسارب الضياع والنيلة المنيلة الكحلية والوحل والطين المطين… ، الذي تعيشه أغلبية الأمة تحت نعال ساساتها تتعبد ..؟!

هل نبدأ من وضع الرجل المناسب في المكان غير المناسب … ووضع القريب والحبيب المناسب في المكان المناسب بمعزل عن اللياقة والأخلاق، وما يترتب عن ذلك من حصد أزمات وأمراض عديدة تصيب أمتنا ومؤسساتنا ودوائرنا ونقاباتنا وأجهزتنا بالشلل، وتولد الإحباط في النفس وتخلق السخرية والاستهزاء وازدراء الذات والشللية والتكتل والتعصب الأعمى وتبني نظرية … أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، حسب قوانين شريعة الغاب والجاهلية، وَتَبَني واعتماد حالات ذبح كبرياء الأمة…؟!

هل نبدأ من تصرفات بع ض المثقفين وغيرهم، الذين تسكن الشياطين أرواحهم، ويتشبثون بأصنام ما زالت تستعمر عقولهم وقلوبهم وأحاسيسهم، وتبعدهم عن إنسانيتهم، ليصبحوا بدون ضمائر حية وأخلاق حميدة… ولا يدركون المفاهيم… وممارسة احترام الرأي الآخر والاستماع إليه، ويصرون على تهميش الوعي ووضوح الرؤيا والهدف، ومحاربة التطوير والتجديد والإبداع والتحرّك للأمام بعزم وإرادة تصنع المعجزات…؟!

أم نبدأ من زمن الذهول والحيرة، والتناقضات العجيبة، والتزييف للوقائع والتحجر الفكري، والموازين والمعايير المنحرفة، وغياب الفضيلة والاستقامة، وزمن السلبية والباطل والرذيلة والانحراف والفساد والأنانية الرعناء… زمن المخداعة… زمن عبودية العباد والمتسلطين على رقاب العباد والمغتصبين لسلطان الله في الأرض… زمن السذاجة في طرح الأمور والتضليل والنفاق الاجتماعي والسياسي ومخادعة الجماهير والكذب عليها… زمن الأنصاب والأصنام والخُشب المسندة… زمن الرويبضة والكرزايات… زمن الباطنية والنرجسية والحربائية والتلون… زمن المنطق الأعوج، الذي أصبح فيه المفسد مصلحاً… زمن فرعون وأبو لهب وأبو جهل… زمن الموازين المنتكسة والمقلوبة، والتطاول على الحق والحقائق وتزييفها… زمن استغلال الأبواق الفرعونية، وزمن دور الندوة ومحافل الموبقات والابتذال والشعوذة والهلوسة ونسف الأخلاق في الليالي الحمراء… زمن ازدراء الذات… زمن فيه يتحرك البعض بأجهزة تحكم من بعيد ـ الريموتكنترول ـ لكي يقودا العباد إلى الهاوية… زمن التبديد والتعقيد وقهر التجديد… زمن التدجين والتهجين وبرمجة الأذهان والتشويه الفكري وسيادة شريعة الغاب ودق الأسافين الفكرية… زمن الاستقواء بالأجنبي وقوى الظلام على ابن الجلدة واللحمة… زمن دخول بيوت الطاعة وزمن العبودية الحديثة المتطورة… زمن يقف فيه أحرار الأمة على حد السكين… زمن اختزال القضية في خدمات لغوية وطرح الكثير من الكلام المعسول الذي سئمنا تكراره… زمن التسول السياسي… زمنٌ يطلب فيه من الأمة العربية دفع ثمن التسوية مع الاحتلال مسبقاً دون تقديم ضمانات للوصول إلى التسوية… وزمن تكسير المجاديف والأجنحة وتزوير النضال… زمن غدت فيه فلسطين دمعة على خدود الزمن … الزمن الذي أصبح فيه النضال والمناضلين عبثيين وباهتين ومشوشين على الثوابت الوطنية بل إرهاباً وإرهابيين…؟!

قولوا لنا… من أين نبدأ في الدفاع عن كل هذا بالله عليكم…؟!

قولوا لنا بالله… في هذه الغابة الشائكة بالظلم والظلام والظلمة والجهل والتضليل والمخادعة وبيع للضمائر… من أين نبدأ… هل نبدأ من الأوهام المبللة بالفراق والمعاناة والبعد عن الأهل والأحبة والتشرد وفقدان الوطن…؟!

حقيقة نحتار من أين نبدأ… في زمن أصبح فيه الحليم حيران… فالمواضيع التي تتقاذفنا وتعصف بنا كثيرة كثيرة …!!

وتجدنا وفي معظم الأحيان نحاول أن نجتهد بحصرها ومراجعتها وتدقيقها وتمحيصها، لكي نستطيع أن نشير إليها… كيف لا وان كان الموضوع يتعلق بالدين والأمة والوطن… فهي أمور حاضرة تفرض نفسها دائماً على كل من يتفاعل مع محيطه ومجتمعه، المليء بالأزمات والمعضلات والمصائب التي تؤرق النفس وتدميها.

نحن نؤمن أن عدونا واحد ، لا يميز بيننا أبداً أبداً.. فإذا كان النظام منبطحاً، فالرأي الآخر يجب أن يكون الصمود والتصدي والمقاومة الباسلة والانتفاضة العقلانية..!

وكما قالها أبناء فلسطين دوماً… مدويةً عاليةً… هويتنا فلسطينية القـرار… عربية المصير …!!

أخوتي في القضية.. . في الشجون… في المعتقلات والسجون…!!

لكننا نحن كفلسطينيين كعرب كأحرار بإذن الله باقـون… نؤمن بعدل الله وإنصافه… باقـون شوكة في أعينهم… باقـون لأننا نريد البقاء ونصر عليه بإذن الله … وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون (صدق الله العظيم) … اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء تعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير انك على كل شيء قدير (صدق الله العظيم) … باقـون لمن يحملون بقايانا… باقـون نحلق عالياً… نسوراً في سماء الحرية…!!

بلادي… كلما اشتقت لها… رسمت خارطة الوطن… فوجدتها طالعةً من سحر البطولات والتضحيات والبذل والعطاء والإخلاص والتفاني والصمود والتصدي والمقاومة والإرادة التي لا تنكسر… من وجع في خاصرة الوطن العربي…!!

أرى فلسطين من أرواح العرب والعروبة تحميها وتدافع عنها… وتصونها…. وتحفظها وتتدثر بها…!!

أرى فلسطين شجرة مغروسة في عقول الأحفاد …!!

أرى فلسطين وشعبها ينشرون أوجاعهم وآلامهم وعذاباتهم وهمومهم ومعاناتهم، لتغطي كل رقعة من مساحة خارطة العرب والعروبة …!!

من أين أت ت علينا آبار هذا العصر… لتبتلع يوسف العصر… وبهذه السرعة المذهلة…؟!

رحلت عنا يا أبا الثوار… يا أبا عمار… يا ختيار… ولم نكن مهيئين أنفسنا لرحيلك… وذلك أمر الله وقدره… إن الله إذا قضى أمراً كان مفعولاًً …!!

لكن الأمل… الأمل بتحقيق النصر والتـحريـر… يجعلنا نصبر ونقاوم …!!

لقد علمتنا فلسطين التي تنجب القادة والرموز… بأن ننتمي إلى زمن الحجر والمقاومة… فكيف يهدأ لكم بال أبناء يعرب… وفلسطين منكم على مرمى حجر…؟!

قرارات الشرعية الدولية، تنفذ فقط على شعب العراق وسوريا والسودان ولبنان… والنظام العربي نظام عاجز ومرتهن، وقد تحولوا بمشروعهم، من عولمة الاقتصاد إلى عسكرة العولمة …!!

إذاً ماذا يمكن فعله إزاء هذا الوضع الهابط المتردي من هزيمة وانكسار وضمور، وتفتيت للنسيج السياسي والاجتماعي والثقافي والأخلاقي… والذي يزداد تفاقماً…؟! ما العمل…؟!

ما بالنا نقف صامتين…؟! فلنرفع الصوت عالياً مدوياً موضحاً …!!

عار علينا إن بقينا صامتين خانعين ..!!

ألم نتعلم بعد… كيف انتصر الحجر على الدبابة… ؟!

ما نحن به هو مصاب جلل ولا بد من تحطيم الحواجز التي تواجهنا، ولا بد من أن يشعر الاحتلال انه سيدفع ثمن هذا الاحتلال … ولا بد من أن نطلق عقولنا ونمرنها على أن تتعلم كيف ترفض وتنقد وتنقض، وتصغي إلى الرأي الآخر الناقد لها، ونمارس إنسانيتنا كبشر وكخير أمة أخرجت للناس، نأمر بالعدل والإحسان وننهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، وأن نقول للناس حسناً، وإذا قلنا فلنعدل ولننصف… وبعكس ذلك سنكون ممن يساهم في تكريس مزيدٍ من الاستبداد والظلم، ونفي الرأي الآخر، وسنبقى نغرق في الظلام، ولن نشاهد تطوراً لمجتمعاتنا، وستبقى الأزمات السياسية والوطنية والاقتصادية والثقافية والإعلامية والفكرية والمالية والخلقية، قائمةً إلى أجل غير مسمى.

يجب علينا أن نعود إلى تعلم الأبجديات الإنسانية الحميدة من جديد، وزرع بذورها في نفوسنا وتغذيتها، ونكون صادقين إنسانيين، ونحارب الأمراض الاجتماعية فينا، من تخلف وأنانية وباطنية ونرجسية وانفرادية، ونعقد صلحاً مع الذات، وتصحو ضمائرنا وتتحرر، لكي نخرج من الظلام والويلات والأزمات التي أصبحت تشكل السواد الأعظم من مساحة حياتنا اليومية.

وعلينا أن نتعاو ن سوياً في سبيل تربية الأجيال تربيةً صالحةً، لمواجهة خطر الانحراف الفكري الذي يستهدف قيمنا ويقضي على هويتنا، ويخرب مجتمعاتنا.

إننا في أمس الحاجة إلى استعادة وحدتنا تأسيا بمضامين الانطلاقة العظيمة لحركة فتح، واستنهاض هممنا، وتفعيل الدور الشعبي، وتجميع الطاقات في كل المجالات، وعلى كل الأصعدة، خاصة في ظل هذه المرحلة الصعبة والحرجة التي تمر بها قضيتنا، لكي نستعيد قوتنا وهيبتنا ومكانتنا واحترامنا في أنفسنا وبين العالم… ونترجم المودة… لأهل الصمود فعلاً وعملاً… لنستطيع تحقيق أهداف أمتنا… والسير قدماً نحو الحرية والاستقلال.

أضف تعليق