المقـاومـة ثـم المقـاومـة /محمد علي الحلبي

المقـاومـة ثـم المقـاومـة

للدلالـة على خطورة الأيـام التي نعيشها والاحتمالات المستقبـلية فيما لو بقـينا محافـظين على نهجنا المستمر منذ عـقود والمتسم بالتراجعات. من أجل ذلك أردت التوضيح بما لا يدع للشك مجالا ً ولا للنوايا الساذجة مكانـاً.

في كتاب “الثقافـة والصراع في العلاقات المصرية الإسرائيلية” – لجاتونسكي- الصهيوني يقول : “إن التوراة والسيف أنزلتـا علينا من السماء”، ويقول تلميذه- مناحيم بيغن- الذي وقع اتفاقـية السلام مع مصر: “إن قـوة التاريخ ليست للسلام وإنما للسيف”. و- اسحق شامير- رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق وفي عام 1987 وفي حديثـه لجريدة- هاآرتس – يقول : “لاسلام يدوم إلى الأبـد. إن الاستقـرار الدولي والإقليمي يقـوم علـى قواعـد للعبـةٍ قوامها الردع المستمر”.

ولنشّد الرحال إلى الطرف الآخر… إلى أمريكا فوزير خارجيتها-هنري كيسنجر- وفي حديثه لمجلة-الإيكونومست اللندنية- يقول: “عندما أعلن الاعتراف بالدولة الإسرائيلية من جانب منظمة التحرير والدول العربية لم يكن ذلك إلا بداية عملية تعديل وتنظيم الأوضاع الإقـليمية تبعاً للإرادة الأمريكية،والخطر الحقيقي من المنظمة سوف يتمركز حول عدم قبول الإرادات الإسرائيلية”. نشر ذلك في العدد الصادر في 12 تشرين عام 1982،والرئيس الأمريكي- نيكسون- وفي كتابه- انتهزوا هذه اللحظة- يتبنى الفكرة اليهودية القائلة “إذ ا أمسكت الأسد فلا تدعه يفـلت منك و إلا التهمك”.

إطلاقاً ليس صدفة ولا حتى على سبيل الصدف أن يتناغم الفكران الأمريكي والإسرائيلي بل يتحدان في عدائهما لكل ما هو عربي ولكل من آمن بالله جلّت قدرته وبنبيه محمد عليه الصلاة والسلام… إنها أساس استراتجيات وضعوها،وهي الدافع لكل ما يحدث على الأرض العربية خاصة بعد إعلان التحالف الإستراتيجي بينهما،ولمزيد من التوضيح أردت أن أضع بنوداً لهذا البحث تحت العناوين التالية:

1- ” إسرائيل ” وأحلامها.

2- أمريكا ومطامعها في الشرق الأوسط.

3- التحالف الإستراتيجي المبني على تعزيز قوة الحليفـين وإضعاف بل تهديم الخصوم.

4- الواقع العربي ومعاهـدة الدفاع المشترك.

5- الحروب العربية الإسرائيلية.

6- الحلول والخلاص.

إسرائيل وأحلامها

جميعنا يعرف وقرأ الكثير عن الولادة غـير الطبيعية لهذا- الكيان – والدعم الغربي الذي رافقه منذ الأيام الأولى لنشأته ليكون بؤرة إزعاج وتآمر وتدمير للجوار ولإعاقة بل ووقف أي تطور لهم. قديمٌ هو الحلم بأرض الميعاد قدم- التلمود- الذي وضع زمن السبي البابلي مع رسم لحدودها من الفرات إلى النيل وطرد سكانها،وبناء هيكل سليمان على أنقاض المسجد الأقصى،ولتحقيقه اعتمد على القـوى الكبرى ومساندتها فكانت إنكلترا ووعد بلفور ودعمها المستمر،وكانت فرنسا ومساهمتها في إنشاء المفاعل النووي ومساعداتها،وانضم الثلاثة –إنكلترا وفرنسا وإسرائيل- في عدوانهم على مصر عام 1956،لكن إسرائيل طورت وتجاوزت ما اعتمدته لتتبنى فكرة تسخير القوى العظمى لتحقيق أهدافها بما يملكه اليهود من سيطرة مالية وإعلامية ولوبيات،والقوة الجديدة هي الولايات المتحدة الأمريكية،وفي كتاب “الإسلام قوة الغد”- لبول شميت- ترجمة د.نهى الخولي وفيه : “إن قوة العالم الإسلامي تكمن في امتداد أرضه وكثرة ثرواته وخصوبة النسل عند المسلمين وصلابة العقيدة الإسلامية “ويتابع المؤلف” “إسرائيل ” لو نجحت بأقصى ما عليها في تجميع اليهود في دولة “إسرائيل ” ووصل العدد إلى عشرين مليوناً فإن أصغر دولة عربية سوف تكون قد تجاوزت أو اقتربت منه وذلك دون الحديث عن مصر التي سوف تصل إلى ثمانين مليوناً،وبالتالي فإن إسرائيل سوف تبقى محاصرة. فهل يضمن الدفاع المستمر بما يمثل من نفقات من جانب الولايات المتحدة الأمن الإسرائيلي؟!…لذا يجب أن تعمل جاهدةً على أن تحيل المنطقة إلى دويلات صغيرة أو كيانات هشة محدودة الفاعلية ومن ثم تلهي هذه الدويلات بصراعات حول الحدود أو خلافات عشائرية خلال خمسين عاماً ومثل هذا التصور يحقق لإسرائيل على الأقل ثلاثة أهداف:

1- أن تصبغ المنطقة بصبغة طائفـية.

2ـ أن تصير إسرائيل هي الدولة القـوية باقتصادها وتقـدمها التكنولوجي، وهي الدولة المسيطرة على المنطقة حيث لا يوجد حولها سوى دول أقزام.

3- أن تتوسع وتغزو اقتصادياً لأن أي دولة في الكيانات الهشة لا تملك المقـدرة على الاكتفاء الذاتي.

ولتحقيق ذلك لابد من الإجراءات التالية :

1- الهزيمة العسكرية لمصر والعالم العربي، وتحريك الحرب النفسية.

2 – خلق مسالك للاتصال المباشر مع القـوى الفكرية والقـيادية في المجتمع المحلي، وتدعيم مفهوم التعاون والحوار الذي يضع حلاً للعداوة الفعلية ويخلق طبقات منتفـعة.

3- تخريب المرافق القومية ويرتبط ذلك بالإكثار من الفـضائح وتلويث القـيادات.

وفي اعـتقاد الإسرائيليين أن استخدامهم للقـوة عـبارة عـن إشارات تحذيرية للعرب كي يعدّلوا مساراتهم المستقبلية بما يتواءم وأهدافهم تجنباً لما قـد ينزل بهم من عقاب،وهم يؤمنون بمعيار القـوة المتقـدمة ومفاده أن القـوة التي لا تتقـدم لابد أن تتقهقـر.

وما يوضح الأحداث الجارية في منطقـتنا والدور الإسرائيلي المؤتمن والمنفذ أو المساعد على تنفيذ إستراتيجيتهم والتي وضعت لثمانينات وتسعينات القرن الماضي والمقـرّة من قبل المنظمة الصهيونية في مؤتمرها الصهيوني إذ يرد في التقرير النهائي للمؤتمر وبعد الحديث عن الجبهة الغربية في اتجاه مصر ومحاولة زعزعتها وتفتيتها إلى دويلات إثنية وطائفية (قبطية في صعيد مصر) وإقامة كيانات صغيرة إقليمية هو الحل لتطور تاريخي وهو آت لا محالة على الأجل الطويل.

يعود التقـرير للحديث عن مشكلات الجبهة الشرقـية.إنها أكثر وأشد تعقـيداً من مشكلات الجبهة الغربية،وهذا عكس ما يبدو في الظاهر فبتقـسيم لبنان إلى خمسة أقاليم يوضح ما سيحدث في البلدان العربية كلها،وتفتيت العراق وسوريا إلى مناطق تحدد على أساس عنصري أو ديني يجب أن يكون هـدفاً ذا أولوية بالنسبة إلينا على الأجل الطويل. وأول خطوة لتحقـيق ذلك هي تدمير القـوة العسكرية لتلك الدول (العراق وسوريا)،وأما العراق فهو غني بالبترول وفـريسة لصرا عات داخلية وسيكون تفككه أهم بالنسبة لنا من تفكيك سوريا لأن العراق يمثل على الأجل القصير أخطر تهديد لإسرائيل وقيام حرب سورية عراقية سيساعد على تحطيم العراق داخلياً وكل نزاع داخلي عربي سيكون لصالحنا،ويتابع التقـرير وبنفس النهج والأسلوب تفـتيت الأقطار العربية الأخرى…..

هي جولة أحببت أن أحصر فيها بعضاً من مرتكزات الفكر الصهيوني “الإسرائيلي ” الأساسية وهي كثيرة والأبحاث فيها متعددة وغـنية، وفي تحديد لها فهي أرض إسرائيل من الفـرات إلى النيل لذا لابد من :

1- تأمين عناصر القوة…هجرة يهودية….تلازم التوراة والسيف والاقـتصاد القـوي مع التقدم التكنولوجي.

2- على الطرف الآخر: إضعاف الخصم وإلحاق الهزائم العسكرية به،والاعتماد على العملاء من خلال خلق طبقات منتفعة وتفـتيت الدول تحت عـناوين إثنية وطائفـية وإضعافها وجعلها هـشة من أجل السيطرة على البقـية الباقـية من خلال هيمنة واستعمار اقتصادي،فالدول الهـشة لا يمكنها الاكتفاء الذاتي.

أمريكا ومطامعها في الشرق الأوسط

فـي دراستي عن العولمة وقـد نشرت سابقاً. أوضحت وبشكل مسهب دور الشركات المتعددة الجنسية وتغّولها واحتكارات النفـط والسلاح ودورها الأساسي جميعها في رسم السياسة الأمريكية فالقـيادات على مختلف مستوياتها لا تملك من مقومات القـيادة إلا التنفـيذ أما الاستراتجيات وبرامجها فتضعها الاحتكارات والمراكز المالية بالتعاون مع مراكز الأبحاث والمعاهـد،المتخصصة الممولة غالباً منها والتابعة لها،وحتى أساليب التنفـيذ توضع من قـبل ذات الجهات- ولتأكيد هـذه الحقـيقة فإن جميع المتصدرين للعمل القيادي الأمريكي الآن كانوا مسؤولين في تجمعات الأسلحة أو احتكارات النـفـط والكل عندما لا يكونون في الشركات أو القيادات يصبحون باحثين أو مستشارين لمراكز الأبحاث.

– 3 –

المصالح يخطط لها وتبرمج وتنفـذ،ولعرض أسس ومرتكزات الفكر الأمريكي أجدني ومن أجل توثيق ذلك لابد من الاعتماد على أقـوال القـياديين والمفكرين،ومنذ البداية،وبعد انتهاء الحرب الباردة بانهيار الاتحاد السوفيتي كان لابد للعقـل أن يبدع عـدواً جديداً لمحاربته فـ – ليوشتراوس- الأمريكي ومن أصل ألماني وهو الأب الروحي للمحافظين الجدد يرى ” أن النظام السياسي لا يمكن أن يكون مستقراً بدون وجود خطر خارجي ” وقـد سبقه وقبل انتهاء الحرب الباردة من حدد العالم الثالث منطقة الخطر و التجوال والنهب وترويع وتطويع المقاومين منهم،ففي عدد ” لوموند السياسي في نيسان 1981 نشر تقرير لـ – ميشيل كالار- الخبير في التحليل السياسي وواحد من الذين أسهموا في الإستراتيجية الحديثة في أول عهد الرئيس “كارتر” وهو صاحب كتاب” حرب بلا نهاية” يؤكد فيه على أن ٌتدخل الإدارة الأمريكية في قناعتها التدخل في العالم الثالث دون توقف ورأيه هذا اعتمده التقرير الذي تحدث عن التخطيط الأمريكي لمواجهة حركات الرفض في دول العالم الثالث،وإتباع إستراتيجية مفادها ليس خلق القناعة بالتعاون مع الإدارة الأمريكية ضرورياً وإنما استئصال مفاصل القوة في المجتمعات.

وفي كتاب “غزو الأرواح” والذي أصدره الناشر السياسي الفرنسي “ماسبيرو” عام 1982 وفيه يفضح أسس التدخل الأمريكي لغزو العقول في العالم المعاصر وفي اعتقاد هذا المؤلف أن مقـتل “فـلتر نيلي” الناشر الإيطالي مرتبط بنشره للوثيقة التي تتحدث عن التخطيط الاستراتيجي الأمريكي لذا يقول “أن النشر كان أحد الأسباب الرئيسية التي عجلت بالقرار الصهيوني الأمريكي والأوروبي لغزو العالم العربي عام 1991 واحتلال القواعـد في جزيرة العرب والبلاد المحيطة والبحرين الأبيض والأحمر،وضرب القوة العسكرية والمنشآت المدنية لشعبي العراق والكويت ويكمل تحقـيقه ” إن الأخطر من ذلك هو تمزيق الصف وتحجيم دور مصر في المنطقة العربية والعالم الإسلامي ووضع اليد على منابع النفط والهيمنة شبه الكاملة على حياة المجتمعات مع العمل المستمر لضرب أي محاولة وطنية تحاول التحرر من قبضتنا “. هذه المعلومات وردت في كتاب ” استعداء العالم على الإسلام وشعار تجفيف منابع الإرهاب ” للمرحوم د. حامد عبد الله ربيع أستاذ ورئيس قسم المعلومات السياسية في كلية الاقتصاد جامعة القاهرة.

وضمن تحديد أدق للإستراتيجية الأمريكية للعالم الثالث في آخر عقـدين من القرن الماضي أعطي العرب و الإسلام الدرجة الأولى فـ – جيمس روين- كتب مقالاً في جريدة الغار ديان البريطانية ينصح العالم الغربي بأن يحافظ على المسلمين أذلاء وفقـراء،وفي تصريحات الرئيس”بوش” قبل حرب العراق الأخيرة والتي أسماها بالحرب الصليبية ثم تراجع عن ذلك له قول مأثور “من ليس معنا فهو ضدنا ” إذن الحياد ممنوع…ولم يطل البحث عن عدو بديل للاتحاد السوفيتي من أجل أن يستقر النظام السياسي الأمريكي.

وفي إطار المصالح ينبه الكاتب إلى ” أن الحكومة الأمريكية تواجه خطر فقدانها لتلك الثروات القيمة والحرجة المتمثلة في نفط الشرق الأوسط “

ويكشف بجلاء عن هذا الكاتب الأمريكي” روبرت جلين” في وصفه للاقـتصاد الأمريكي خلال الثمانينات والتسعينات من القـرن العشرين حيث وصل العجز التجاري وميزان المدفوعات إلى أعلى معدلاته القياسية فمنذ أوائل الثمانيات استدان الأمريكيون حوالي 5 تريليون دولار من عدد من الدول المقرضة وخاصة اليابان وذلك لتمويل استهلاكهم واستثمارهم،وفي منتصف الثمانينات تحولت الولايات المتحدة عن مكانتها التي كانت عليها عند الحرب العالمية الأولى كأكبر دولة مقرضة في العالم لتصبح أكبر دولة مدينة وإجمالي الديون الأمريكية الدولية في نهاية التسعينات من القـرن الماضي وصلت إلى ما يقارب 10 تريليون دولار ولذلك فإن قسماً معقولاً من الميزانية الفـيدرالية يجب أن يوجه لتسديد فوائد ذلك الدين الضخم المستمر في الزيادة والعجز التجاري سيصل إلى 440 مليون دولار , وبإثارتها الصراع في الشرق الأوسط فإن الحكومة الأمريكية يمكنها خلق حالة مشابهة لفـترة الحرب الباردة حيث يستعيد الدولار”ملاذه الآمن” كرأسمال للعالم.

إنها المصالح المحرك الأساسي للسياسات الكونية وكلما تعاظمت المصالح وكبرت كلما ازدادت برامج تنفيذها حدّة وشراسة ويدور في دوامتها القـتل والتشريد وكل ما يخالف القيم الإنسانية من إفساد وتجويع وشراء العملاء.

لقد أكدت وثيقة إستراتيجية الأمن القومي الصادرة عن البيت الأبيض وفي الحادي عشر من أيلول عام 2002 وفيها أسس السياسة الأمريكية وبأنها تنطلق من معيار المصلحة القومية ولا تعطي أهمية للعامل الأيديولوجي ،وقـد قسمت العالم إلى أخيار وأشرار والأخيار تحديداً هم الذين يؤمنون فقط بالقيم الأمريكية والتي تعبر- بحسب زعمهم- عن تطلعات وآمال الكرامة الإنسانية،وهذه العقيدة لم تكن وليدة أحداث أيلول وتدمير الأبراج بل كانت سابقة لها بأزمنة لكن الأحداث أخرجتها في حلّة جلية وواضحة…..

هل نستغرب وفي منطقتنا أن الرئيس الأسبق سليمان فرنجية صرّح عام 1978 عن محاولات أمريكا لإقامة دولة مارونية في لبنان وكان قـد سبقه إلى ذات النتيجة ريمون أده وكان مرشحاً لرئاسة الجمهورية لكنه غادر لبنان إلى فرنسا ومات هناك.

ويجب أن لا نستغرب أيضاً أن من بين الوثائق الأمريكية والتي نشرها جوليان العالم الفرنسي تتضمن أن تعليمات الولايات المتحدة الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية إلى الشركات البترولية في العالم العربي واضحة وهو عـدم توظيف العوائد النفطية في المنطقة.

و د. حامد عـبد الله ربيع يحدد الأدوات التي تتبناها السياسة الأمريكية في العالم العربي داخلياً:

1- تشجيع الشعوبية بمعنى إحياء القوميات والعصبيات.

2- تدعيم مفهوم الولاء الطائفي.

3- مساندة الزعامات المهلهلة ودفعها إلى مواقع السلطة.

4- خلق طبقة طفـيلية منتفعة.

5- استخدام أساليب التسميم السياسي.

6- تدعيم الأبحاث الميدانية الأمريكية لتعزيز دورها في خدمة هذه السياسات.

خارجياً :

1- نشر الكراهية ضد العالم العربي.

2- تدعيم الترابط الدولي ضد المصالح العربية.

3- تفجير منظمة الأوبك.

وللمرة الثانية في هذا البحث أود أن أحصر بعضاً من مرتكزات الفكر الأمريكي:

1- تأمين المصالح النفطية. 2- تعزيز دور الشركات المتعددة الجنسيات وتطبيق مفهوم العولمة للحصول على مكاسب أكبر للاحتكارات. 3- بيع الأسلحة من المصادر الأساسية الداعمة للاقتصاد الأمريكي لتعويض الخسائر الكبيرة،فـمشتريات الخليج لاسيما السعودية تؤمن توظيف نحو 60 ألف أمريكي سنوياً.

لكن لتأمين نجاح الخطط لابد من إضعاف الطرف الآخر- العربي – عن طريق إحياء العصبيات والطائفية،وخلق طبقة منتفعة ودعم الزعامات المهلهلة،ونشر الكراهية عالمياً ضد العالم العربي،وتدعيم الترابط الدولي ضد المصالح العربية.

وبالمقارنة بين أهداف أمريكا وإسرائيل فلابد أن نجد تماثلاً كبيراً بينهما بل أعلى مراحل التطابق،فهل نستغرب أن يتحالف الطرفان ضد أمتنا وأن تكون القوات الإسرائيلية متممة للقوات الأمريكية خلال الحروب وخلال فترة التوقف ونفس الشيء ينطبق على القوات الأمريكية المتممة للقوات الإسرائيلية… إنها مبادئ الاحتلال والاستعمار والنهب وسرقة الثروات والأراضي. إن مقومات التحالف الاستراتيجي واضحة للعيان،ومن يتطلع من السياسيين ليرى الحلول لدى أمريكا يكون وفي حسن من النية أنه مصاب بحول كبير،وفي افتراض لغير ذلك فهو أعمى من الدرجة الممتازة والأمل بعلاجه من هذا المرض كأمل الباحث عن الماء في السراب عبر الصحارى.

التحالف الإستراتيجي الأمريكي الإسرائيلي

يلخص لنا “بريجينسكي “مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس كارتر – وربما انتبه من في عينيه حَول -“بأن على العرب أن يفهموا أن العلاقات الإسرائيلية الأمريكية لا يمكن أن تكون متوازنة مع العلاقات العربية الأمريكية،لأنها علاقات حميمة مبنية على التراث التاريخي والفاعلية التي تتعزز من خلال النشاط السياسي لليهود،فـيما العلاقات العربية لا تحتوي أي عامل من هذه العوامل”.

قـديمُ الدعم الأمريكي لإسرائيل وحتى قبل إنشائها والرئيس روزفلت اعترف بإسرائيل فور إعلانها، وتوسع التعاون وتزايد في شتى الحقول العسكرية والاقتصادية والسياسية ورسم السياسات المتشابهة إن لم تكن الواحدة لمنطقـتنا.

وفي حال وجود خلاف بسيط يبادرون إلى رتق الشق وإصلاحه فالرئيس بوش الأب وعندما اختلف مع اسحق شامير وبعد حرب العراق الأولى على قضية ضمانات القـروض لإسرائيل قال وبالحرف الواحد ” ماذا يريد مني ألا يكفي أنني دمرت له العراق “،وكيسنجر وصف الخلاف بين الدولتين عام 1975 نتيجة التشدد الإسرائيلي أثناء مباحثات فـض الاشتباك الثاني في سيناء قال: ” إنه كان مثل خلاف عائلي ” ووليام كوانت في كتابه ” عملية السلام بين الدبلوماسية الأمريكية والصراع العربي الإسرائيلي ” يقول: “إن هناك موقفاً ثابتاً للسياسة الأمريكية منذ عام 1967 يلتزم به جميع الرؤساء الأمريكيين وهو الدعم الكامل لإسرائيل على أن ينفذه كل واحد بطريقته الخاصة”،والرئيس جونسون أصر على الدعم الشامل لإسرائيل وهو الذي شجعها على عدوان 1967.

والتحالف يرتب تبعات دعم مالية على أمريكا للحفاظ على هذا الكيان، ودعمه ليس مادياً فقط بل ومن خلال تسليحه المجاني أو بقروض غالباً ما تعتبر ديوناً ميتة وتعفى منها إسرائيل. والمفكر الفرنسي الذي اعتنق الإسلام جار ودي يقول: ” المعونة الأمريكية لو حسبت بين عامي1954 -1967أعطت الولايات المتحدة لكل إسرائيلي 435 دولار ولكل عربي 37 دولار وأهم ما في هذه المعونة كميات الأسلحة المقدمة لإسرائيل ،ففي عام 1980 بيعت لإسرائيل أسلحة يقدر ثمنها بمليار دولار وفور تسلم الصفقة تقرر حذف 500 مليون دولار وأضيف أل 500 مليون الأخرى إلى ديون إسرائيل لخدمة أمريكا وهذا الدين يتمتع بفترات سماح تمتد إلى أكثر من عشر سنوات.

إن المساعدات الخاصة لإسرائيل من ضمن برنامج المساعدات الخارجية الرسمي ولم يجر أن حُدد في أي وقت من الأوقات حجم تلك المساعدات والمكشوف عنها والمعلن عنه يقدر ما بين 6 – 8 مليارات دولار سنوياً ويكلف ذلك ضياع 135 ألف فرصة عمل للأمريكيين.

ويقدر الخبراء أن كلفة الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني والتي تقع على عاتق المواطن الأمريكي تبلغ 3 آلاف مليار دولار وهذا الرقم أكبر بكثير من كلفة الحرب الأمريكية في فيتنام قياسا بقيمة الدولار في العام 2002.

ففي عام 1973 وخلال حرب تشرين التحريرية عندما استخدم العرب سلاح النفط في الصراع السياسي بلغت تكلفة القرار الأمريكي بتنويع مصادر شراء النفط حوالي ألف مليار دولار يضاف إلى الرقم 1.8 ألف مليار دولار مساعدات وتقديم ميزات تجارية وعقود تفضيلية أو تقديم مساعدات على شكل قروض،وهذا الصراع كلف الولايات المتحدة 375 ألف فرصة عمل ضائعة سنوياً،ومع إضافة بنود أخرى فإن التكلفة الواقعة على الولايات المتحدة تلامس 3 تريليون دولار،وقيل هذا التاريخ كانت كلفة زيادة أسعار النفط بين 1970 – 1973 نحو 40 مليار دولار, وبعد عام 1973إضافة إلى ما دفع لبعض الدول لإقامة سلام مع إسرائيل مثل مصر والأردن عمدت الولايات المتحدة إلى زيادة المبالغ المخصصة لحماية إسرائيل.

ولقد أثرت أحداث المنطقة على تزايد الضغوط المالية على الموازنة الاتحادية فالحرب العراقية الإيرانية كلفت أمريكا 335 مليار دولار بسبب زيادة أسعار النفط،وهنا جميل أن نذكر ومن أجل الخطط الإستراتيجية المشتركة فالمساعدات التي قدمت إلى المتمردين في جنوب السودان بلغت ملياري دولار وسميت بمعونات إنسانية وقدم البنك الدولي وصندوق النقد إلى تركيا مبلغ 7 مليارات دولار مكافأة لها على تعزيز تحالفها مع إسرائيل ومن أجل تحفيز أنقرة على إبداء تعاون أكبر في المسألة العراقية تطالب أنقرة حاليا بـ 30 مليار تقول إنها خسرتها جراء الحرب على العراق.

ولم تكتف أمريكا بهذه المبالغ بل سمح للسلع الإسرائيلية أن تدخل أمريكا وبغض النظر عن إجراءات الحماية الجمركية وإسرائيل تصدر لأمريكا أكثر بكثير مما تستورد منها وتم تزويدها بشكل رسمي أو غير رسمي بالتكنولوجيا العسكرية الحديثة.

وتتويجاً لكل وسائل الدعم وقع تشيني نائب الرئيس الحالي على اتفاق للتعاون الإستراتيجي بين البلدين وعلى تمويل برنامج صاروخ آرو وكان يومها وزيراً للدفاع،وتطور التحالف ليحتوي على بنود عدة أهمها :

– أن تتدخل الولايات المتحدة الأمريكية عسكرياً إلى جانب إسرائيل في حال اشتراك إسرائيل في أية عملية عسكرية.

2- إن التدخل الأمريكي سيكون مباشراً،ويعني ذلك اشتراك قوات عسكرية أمريكية إلى جانب إسرائيل في المهمات العسكرية.

3- سيكون التدخل الأمريكي لهدف دفاعي وهو منع تحقيق الأطراف الأخرى من أي انتصار عسكري.

4- ستوفر أمريكا لإسرائيل شبكة أمان رادعة ضد منظومات الصواريخ المنتشرة في المنطقة خاصة في إيران وسورية والعراق وكان ذلك قبل احتلاله الذي دمر الأسلحة العراقية وباع الباقي منها كخردة حديد.

5- تقدم الولايات المتحدة لإسرائيل أنواعاً جديدة من الأسلحة.

6- تبادل المعلومات الأمنية للأغراض العسكرية.

7- عند إرسال الولايات المتحدة قواتها إلى إسرائيل يمكن أن تعد هذه القوات جزءاً من القوات الإسرائيلية.

8- تتعهد الولايات المتحدة أن توجه ضربة عسكرية مؤثرة وبأسلحة فوق التقليدية ضد أي دولة تهاجم إسرائيل.

9- وفي إطار التعاون في مجال المراقبة المشتركة :

آ- تبادر مجموعة “نورثروب” إلى تطوير إحدى طائرات القيادة والإنذار المبكر لتراقب المنطقة خاصة التحركات السورية في الجولان.

ب -تنفيذ أعمال ” المراقبة المتعاونة ” ويكلف مركز المراقبة المتعاونة في نيو مكسيكو بهذه المهمة،وفي النتيجة فإن القدرة العسكرية الإسرائيلية التقـليدية وغـير التقـليدية مضافة للقـدرات الأمريكية المخصصة للمنطقة.

ولقد اعتبر مايكل هاندل وهو متخصص في الشؤون الإستراتيجية “إن إسرائيل قاعدة انطلاق مثالية لتنفيذ عمليات في كافة الاتجاهات وهي مخزن للعتاد ويمكن بلوغها بحرية عبر المتوسط.

ومن بديهيات الإستراتيجية الأمريكية أن تبقى إسرائيل متفوقة على جميع الدول العربية في عناصر القوة وخاصة المجالين العسكريين – الأسلحة العادية والمتطورة -.

ولتجميع الأفكار الواردة نجد أن الدعم الأمريكي يشمل كل المجالات بل ومناصرة إسرائيل عسكرياً باشتراك القوات الأمريكية معها في جميع الحروب سيما الدفاعية منها لمنع تحقـيق أي نصر عسكري والتعهد بضرب أية قوات عسكرية مهاجمة لها بأسلحة فوق التقـليدية- ذلكم التحالف الإستراتيجي ودوافعه- إن كل حرف فيه يضج بالحقـد والكراهية لكل ماهو عربي،والحرب ضده مباحة لعيون المصالح المشتركة والعقائد المتوهمة المستوحاة من الفكر اليهودي بالألف الثالثة القادمة لعودة المسيح وهي الألفـية السعيدة ولأجل العيون الإسرائيلية الحاقدة،لابد من تخريب وتدمير جميع البنى العسكرية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية لدى الأمة العربية حتى لا يفكر أي قطر بالمعاندة أو المقاومة وإن فكر فسيلقى وجه ربه بالأسلحة فوق التقـليدية ولا نبالغ إن استعملنا التعبير الأمريكي أسلحة الدمار الشامل.

مشروع الشرق الأوسط الكبير

وتكتمل المسرحية على أرض الواقع وتتشعب جوانب القصة فـيها ويضاف العديد من الممثلين المحبين أو المكرهين على أداء أدوارهم ويبقى المخرج هـو ذاته بدون تغيير.

ومن المحزن أن شمعون بيريز وفي المؤتمر الاقتصادي لدول الشرق الأوسط ودول شمال أفريقيا والذي عقـد في الدار البيضاء عام 1994 يقول: “إن مصر قادت العرب لمدة خمسين عاماً ولم تحقـق التقـدم المطلوب،وليجرب العرب قيادة إسرائيل للمنطقة ليتعرفوا على الفارق والوصول بأسرع ما يمكن لتحقيق التقدم المنشود”. يومها خرست الألسن وطأطأت الرؤوس ولم يرد عليه واحد من المؤتمرين وليذكره بأن مصران لم تصب فرضاً وهذا غير صحيح البتة فالشعب العربي في جميع أرجاء الوطن مازال يقاوم عدوانكم وعدوان حلفائكم المتعدد الوجوه ويقدم الشهداء يومياً دفاعاً عن وجوده وكرامته وآملاً ببناء أمة واحدة تتربع على عرش الأرض العربية والتي عملت معاول الغرب وأمريكا وكل الأعداء على تفتيتها و نهب خبراتها ونحن أمة لن نترك لغيرنا قيادتنا ونحن تعودنا على خيارين لا ثالث لهما (إما الشهادة أو النصر).

وشمعون بيريز هو ذاته مبدع فكرة الشرق الأوسط الجديد….والتي تبناها الرئيس الحالي بوش وقدم مشروعها إلى قمة الثماني الصناعية والمنعقد في الولايات المتحدة في عام 2004 لكنه أجرى تعديلا لفظيا على الفكرة فصارت “مشروع الشرق الأوسط الكبير بدلا من الجديد ” لقد نشرته جريدة الحياة اللندنية بتاريخ 13/2/2004 وقد شمل المشروع عناوين أساسية “التطرف – الإرهاب – الجريمة الدولية – الهجرة غير المشروعة” معتمدا على تقرير الأمم المتحدة حول التنمية البشرية للعامين 2002 – 2003 في المنطقة والذي بين أسس هذه العوامل والدافع لها فقدان الحرية والمعرفة،وعدم مساواة المرأة وتمكينها من ممارسة حقوقها ،والعرض على مجموعة الثماني لم يهدف فقط إلى أخذ مباركتهم على المشروع بل من أجل تنفيذ هدف من أهداف الأدوات المتبناة وهو نشر الكراهية ضد العالم العربي بل وأكثر فان إشارة فيه مأخوذة عن تقرير “فريدوم هاوس ” للعام 2002 والذي كانت ” المحبوبة ” “إسرائيل ” البلد الوحيد في الشرق الأوسط الكبير الذي صنف بأنه “حر ” ويركز المشروع في أولوياته على تشجيع الديمقراطية والحكم الصالح ،و في محاولة منه لمحو الذاكرة العربية يوم جرت انتخابات الجزائر وفازت بها جبهة الإنقاذ الوطني يومها انقلب أولو الأمر على النتائج وعطلوا الحياة البرلمانية وقالوا أن الإجراء اتخذ لمصلحة الجزائر وأنه غير دستوري ،لكن أمريكا والبعيدة آلاف الكيلو مترات عن الجزائر صرح أحد مسؤوليها عن تأييدهم لكل الإجراءات وبأنها دستورية لقد كانوا أعرف من أهل مكة بشعابها.

وتجربة الانتخابات الفلسطينية حية اليوم والرفض المطلق لنتائجها وقطع المساعدات والإكثار من التوعد والوعيد والتهديد ومحاولة تحريف إرادة الشعب العربي الفلسطيني إلى الاسطوانة المشروخة وهي مبادرات السلام وتعزيز ثقافة السلام والسلام الاستراتيجي وثمن ذلك المزيد من الشهداء على مذبح الوطنية الفلسطينية الرائعة.

أما عن العراق فلقـد افـتخر الرئيس بوش في تصريحاته الأخيرة بالانتخابات وعقـب الإعلان المتأخر طويلاً عن نتائجها قال بأن الديمقراطية انتصرت،وفي كل يوم يتبدى لنا الخداع والفتن والقتلى كلنا يدرك أن الحرية الحق غير الملوثة والملونة هي الطريق الوحيد لتطور الشعوب والأمم. لكن الحرية هنا من نوع مغاير للأصل

ويضاف بند آخر إلى بنود الشرق الأوسط الكبير تحت عنوان الجهود المتعلقة بالشفافية مكافحة الفساد ،ولقد حدد البنك الدولي الفساد باعتباره العقبة المنفردة الكبرى في وجه التنمية وقد أصبح متأصلا في الكثير من بلدان الشرق الأوسط ،ذلك كلام حق لكن الألم يعتصرنا ونحن نرى العراق المحتل وقد زادت فيه وسائل الفساد ونسي أصحاب “القيم” كيف أن رائحة الحاكم الأمريكي ” بريمر ” أزكمت الأنوف وكيف أفسدت شركة “هاليبرتون” بعض ذوي النفوس المريضة لتمرير مشاريعها (لنا الله كيف يمكن لنا تصديق هذه المقولات)،ثم يؤكدون على بناء المجتمع المعرفي وكل هذه العناوين للتغطية على عنوان أساسي وهو إصلاح التعليم والجميع بعرف مقاصدهم وأعمالهم في تحريف المناهج التاريخية والدينية في البلدان العربية والتي ظهرت في الأقطار التي بدأت “الإصلاح” حتى مناهج الأزهر الشريف لم تخل من تحريف لها. والمضحك المؤلم في آن واحد ولزيادة التجارة البينية (العربية العربية) والتي تبلغ 6%من حجم التبادل التجاري يقترحون و يركزون على انضمام البلدان في المنطقة إلى منظمة التجارة الدولية.

والحقائق والواقع يكذبان ذلك ففي زمن العولمة وهي العنوان الرئيسي لمنظمة التجارة العالمية وقـد بدأت قبل أوائل التسعينات وكان من ثمارها العملية اتفاقية التجارة الحرة وقعتها العديد من البلدان العربية ودراسة تبين أن مابين 1980- 1998 ارتفعت التجارة الخارجية العربية (الصادرات والواردات السلعية) من3802 مليار دولار إلى 10635 مليار دولار أي بنسبة 180%،فيما هبطت التجارة البينية (العربية.. العربية) خلال الفترة ذاتها من 347 مليار دولار إلى 290 مليار دولار أي بنسبة 16% والصادرات العربية وبعملية حسابية انتقلت حصة التجارة العربية منها من 9.1 % إلى 2.5 % وفي الفترة ذاتها كانت الصادرات العربية تشكل 12.5% من الصادرات العالمية فتراجعت إلى 2,5% وكانت الموازين التجارية العربية تسجل فائضا بمبلغ 123 مليار عام 1980 أصبحت تتحمل عجزا قدره ستة مليارات عام 1998–بينما ازداد حجم الصادرات الأمريكية إلى البلدان العربية والمتوقع أن تصل في عام 2006 إلى 37 ألفاً و 900 مليون دولار بزيادة نسبتها 40 % عن مستوى 2005 والصادرات الأمريكية لعام 2005 بحدود 26 ألفاً و 700 دولار بزيادة 38 % عن صادرات عام 2004. وكالعادة تبارى قياديو الشموليات في حديثهم عن مشروع الشرق الأوسط فأحدهم يدعو ” إلى تفهم المطالب الداعية إلى الإصلاح وعلينا أن نكون حذرين من عملية رفض الأشياء والتمسك بالقديم لمجرد أن طرفا ما ذكر أنه يريد تغييرها ” ويجاريه آخر فيقول “بضرورة دراسة الدول العربية لهذه المبادرة مضيفا إذا كانت المبادرة بها إيجابيات فلا مانع من الاستفادة منها ” بينما عقدت ندوة في القاهرة في الفترة من 22 – 23 آذار 2004 والندوة نظمها مركز البحوث والدراسات بكلية الاقتصاد في جامعة القاهرة وشارك فيها حشد كبير من الدبلوماسيين والباحثين والخبراء ومع تعدد الآراء وتباينها أحيانا لكن ظهر أن اتفاقا بين الجميع بشأن حقيقة الإستراتيجية الأمريكية والتي خطط لها المفكرون الاستراتجيون قبل أحداث الحادي عشر من أيلول , وتحت عنوان السياسات والدوافع الأساسية للاستراتيجية الأمريكية ,وردت البنود المتبناة لتحقيقها:

1- مكافحة الإرهاب ليس فقط بالآلة العسكرية وإنما بالسياسات الاقتصادية والدبلوماسية والثقافـية.

2- إحكام السيطرة على مصادر النـفط الممتد من وسط آسيا إلى منطقة الخليج العربي.

3-إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية لما يمهد لغرض الهيمنة الأمريكية على العالم بأسره.

4- منع ظهور القوى الكبيرة ( الصين – روسيا – الاتحاد الأوربي ) وطردها من ساحة المنافسة مع الولايات المتحدة الأمريكية.

5- إعادة تشكيل العالم الإسلامي بما يتناسب مع مصالح التحالف الأمريكي الصهيوني.

ولقد وسعت حدود الشرق الأوسط الكبير لتضم الإيراني والتركي والبنغالي والبلوشي والباكستاني،وجوهر الفكرة بدأت مع حرب الخليج الثانية وتصاعدت مع اتفاقية ” أوسلو “،وقد نسبت صحيفة معار يف إلى شارون في كانون الأول 1982 بأنه كان السباق لوضع النسخة الأولى لهذا المشروع ومن ثم تبناها الرئيس بوش وقدمها لقمة الثماني وكان الهدف متضمناً أن يترك الصراع العربي – الإسرائيلي جانباً وأن ينسى الفكر القومي والعروبة والقومية.

لقد عانت الأمة العربية ومنذ اتفاقات سايكس بيكو وتمزيق الوطن العربي جراء الخلافات والمشاحنات القطرية ما كان منها بفعل عوامل ذاتية أو محلية أو بفعل تأثيرات أجنبية من ضغوط وتآمر…. ،لكن المطلوب حالياً يبدو أنه تجاوز لاتفاقات سايكس بيكو وتحديث مضامينها نحو تجزئة أكثر وأقطار هشة،وتتمادى المشاريع لتضيف إلى ساحة التناقضات المفتعلة تناقضات جديدة من خلال قوميات جديدة لن تدع مجالاً لأحد للتعايش،فقديمنا لم يفلح فكيف بجد يدنا ؟….

وخير من عبر عن هذه الأوضاع – ليون هدار- الباحث في مؤسسة كاتو في العاصمة الأمريكية واشنطن إلى أنه من منظور الصقور فالإدارة الأمريكية أصبحت مستلمة من المحافظين الجدد والذين يفترضون أن التطابق بين المصالح الأمريكية والإسرائيلية أقوى وأهم بكثير،وهم يفرضون أيضاً هذا التوجه المتمادي لقناعتهم أن ماهو لمصلحة أمريكا الإمبريالية هو صالح لإسرائيل والعكس بالعكس.

الواقع العربي ومعاهــدة الدفاع المشترك

في عودة إلى الماضي نجد أن مصر تزعمت الاتصالات والمؤتمرات العربية ومنذ العقد الرابع من القرن الماضي فقد دعـت إلى عـقـد مؤتمر عربي في أيلول 1944 واستطاع المشاركون فـيه الوصول إلى قرارات مشتركة عبرت عنها الوثيقة الأولى للجامعة العربية ووقع البروتوكول في 7 تشرين الأول 1944،وبعدها تأسست الجامعة العربية في 22 آذار 1945 وكان العنوان يومها بأن ذلك كان استجابة للرأي العام العربي العام في جميع الأقطار العربية وكانت سبع دول هي المؤسسة للجامعة ،واستكمل قيامها بتوقيع معاهدة الدفاع المشترك في نيسان 1950،وفي تشرين 1980 وقع ميثاق العمل الاقتصادي القومي،واعتبر ذلك تطويراً لاتفاقـية الوحدة الاقتصادية الموقعة في 3 حزيران 1953.

وما يهمنا في هذا البحث اتفاقـية الدفاع المشترك التي وقعها مندوبون عن الأقطار الأردن- سوريا- العراق- السعودية- مصر- لبنان- اليمن وجاء في مقدمتها رغبة من الحكومات الموقعة في تقـوية وتوثيق التعاون بين دول الجامعة العربية حرصاً على استقلالها ومحافظةً على تراثها المشترك واستجابة لرغبة شعوبها في ضم الصفوف لتحقيق الدفاع المشترك عن كيانها وصيانة الأمن والسلام وتعزيزاً للاستقرار والطمأنينة وتوفير أسباب الرفاهية والعمران في بلادها،فقد اتفقت على عقد المعاهدة.والمعاهدة تتضمن 13 مادة.

ولعل من أهمها المادة الثالثة التي تنص على أن تتشاور الدول المتعاقدة فيما بينها بناء على طلب إحداها كلما هددت سلامة أراضي أي واحدة منها أو استقلالها أو أمنها وفي حالة خطر داهم أو قيام حالة دولية مفاجئة يخشى من خطرها تبادر الدول المتعاقدة إلى توحيد خططها ومساعيها في اتخاذ التدابير الوقائية والدفاعية التي يقـتضيها الموقـف….والمادة الرابعة تلزم الأعضاء لتحقـيق الالتزامات أن تتعاون الدول لدعم مقـوماتها العسكرية وتعزيزها وتشترك بحسب مواردها وحاجاتها لتهيئة الوسائل الدفاعية وترسم بقـية المواد الأسس التنفيذية من خلال إقامة لجنة عسكرية دائمة من ممثلي هيئات الأركان،واستكمالاً للقـوة العسكرية لابد من دعم اقتصادي لها لذا تنص المادة الثامنة على إنشاء مجلس اقتصادي عربي.

-9 –

إنها رؤى وتمنيات القدامى من القياديين لكن منهم من- نسي توقيعه- وبقي الورق على حاله واستكملت الأنظمة العربية التي تلت والتي تلتها وخاصة الشمولية منها سيرة الإغماض والتغميض،فلم يعد بعد لا للمعاهدة ولا لبنودها أي وجود،والأحداث الجلل التي مرت على أمتنا والتي تمر لم تحرك فيهم حتى الوجدان.

والرئيس حسني مبارك وخلال تفـقده لمشروع شرق العوينات الزراعي قال: ” ليس كلما يشعر أحدهم بالضيق ينادي أين مصر وأين معاهدة الدفاع المشترك واسألوا أين السوق المشتركة ؟!. التي ستؤدي إلى التنمية في العالم العربي ويجب أن نتعاون ونتلاحم مع بعضنا البعض ونتكاتف وعندما تكون هناك مشكلة ستجدني إلى جانبك وهنا سيكون لمعاهدة الدفاع المشترك أهمية،ويتابع قوله طالما نحن لا نتعاون ويبلغ حجم التجارة البيئية بين دولنا 8% فكيف ستكون اقتصادياتنا قوية “. إن الجميع يشاطرونه هذا التحليل ولايمكن تحميل مصر عبء النتائج فالكل مسؤول خاصة ومن تجاوز عمره المسؤولي ربع قرن ماذا عملوا؟ لماذا لم يفضحوا المتآمرين والمقصرين؟ أم أنها سياسة” إغماض العيون”. وهنا نضطر للخروج عن المسار الهادئ للتحليل ونسأل المعمرين في المسؤولية أن يشرحوا لنا أيهما له السبق الاتفاقات الاقتصادية أم معاهدة الدفاع المشترك والأمة كلها تجيب أن العمل على التوازي بين الخطين هو الأصل،لكن الشعب يسأل أيضا شيوخ السلطة وفي حيرة من أمره هل البيضة من الدجاجة أم الدجاجة من البيضة؟،وأيهما يسبق الآخر….أيها السادة لقـد دفنت معاولكم بذور أحلامنا،ولكنها عادت وستعود للوجود ثانية.

الحروب العربية الإسرائيلية

يعرف علماء الإستراتيجية أن الإرادة والقوة في الحروب وفي جميع مناحيهما مترافقتان ولا انفصام بينهما وقد أعطيت الإرادة الأهمية الأولى فقوة أمريكا هزمت في فيتنام لأن إرادتها أخطأت وإرادة أقوى وأقيم تصدت لقوتها. ولندرس بعجالة الحروب العربية الإسرائيلية من هذا المنظور هل فعلاً اتحدت الإرادة مع عوامل القوى. أم أن الإرادة شابتها صراعات وضياع نتيجة النظرة القطرية الضيقة وبفعل ممالأة حتى للعدو.

ففي حرب 1948 وقد دخلت الجيوش العربية لتحرير فلسطين من الصهاينة اليهود،وفي تباين للإرادات وفي مذكرات المجاهد فوزي القاوقجي يذكر أن فور دخول القوات المصرية من الجهة الجنوبية وباتجاه غزة والساحل تخوف هذا المجاهد من الجناح الشرقي لهذه القوات وأن تترك ساحة الحماية عن القوات المصرية ما يتيح للعصابات الإسرائيلية ضرب جناحها , والجناح الشرقي كان يومها للقوات الأردنية بقيادة الجنرال الإنكليزي ” كلوب ” وبعد اجتماع بين المجاهد والقيادة العسكرية المصرية قرروا نشر قوات من جيش الإنقاذ على هذا الجناح لضمان الحماية للجيش المصري.

وفيما الحرب مستمرة والقوات العسكرية العربية كل يقاتل في المكان المحدد له ،كان الملك عبد الله على علاقة مستمرة بالوكالة اليهودية،ويروي عبد الله التل القائد الأردني لمنطقة القدس كيف جرى اللقاء بين الملك عبد الله وموشى شرتوك يقول: ” إن الملك وصل إلى مزرعة أحد أصدقائه في منطقة الغور ثم مشى بين الأشجار إلى مستعمرة مشروع” روتنبرغ ” للكهرباء وكان الأخير في انتظاره والذي دعاه للغداء معه على مائدة مضيفه ويظهر أن الاجتماع لم يصل إلى نتيجة مرضية وبقيت الاتصالات معلقة إلى ليلة 12 مايس حيث وصلت سيارة يقودها أحد رجال الملك إلى منطقة الغور وإلى نفس المزرعة،وفي الساعة التاسعة كانت “جولدامائير ” ترتدي الكوفية والعقال وعباءة فوقها وتدخل إلى خلفية السيارة ثم تتوجه مباشرة من هناك إلى بيت الملك على أطراف عمان وطبقاً لوصف اللواء” عبد الله التل ” فإن جولدا مائير كانت مضطربة ولم تتناول عشاء أمر الملك بإعداده،ولاحظ الملك اضطرابها فراح يلاطفها لتهدئة مشاعرها وقد راحت تعرض عليه آخر مقترحات الوكالة اليهودية وكانت على النحو التالي :

1- أن يعلن الملك الصلح مع اليهود،ولا يبعث بجيشه إلى فلسطين بالمرة.

2- أن يرسل جلا لته والياً ليحكم القسم العربي من فلسطين بحسب قرار التقسيم.

3- في مقابل ذلك تقبل الوكالة اليهودية ضم القسم العربي من فلسطين إلى التاج الهاشمي.

وقد رفض الملك الشرط الأول لأته يظهره بمظهر الخارج عن الإجماع العربي وتعهد في مقابل ذلك ألا يحدث صدام بينه وبين الجيش اليهودي وأن يقف الجيشان في الحدود التي رسمها التقسيم،وقبلت جولدا مائير رأي جلالة الملك وأخذت عليه العهد بذلك”من كتاب المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل” لمحمد حسنين هيكل. ويكمل السيد هيكل كتابته برواية تجلت فيها النباهة والألم ” ففي تل أريحا وتلال الخان الأحمر تبدو من بعيد غامضة مثقلة بعبء الأساطير،وفرقة الجيش الأردني مصطفة وموسيقاها تدق والملك عبد الله واقف على منصة مرتفعة ووراءه يقف الجنرال”كلوب باشا” وأركانات حربه من الضباط الإنكليز،ونادى الملك على إمام مسجد عجوز ضرير دعي إلى حضور الاحتفال وقال له: “أيها الشيخ…عـظ الجيش “. ووقف الشيخ العجوز على المنصة بجوار الملك وهو لا يرى شيئاً ولكنه يحس به.صمت لحظة وأنظار الكل وآذانهم معلقة به ثم صاح”أيها الجيش ليتك لنا”،وفوجئ الملك بما قاله الشيخ وهمس قائلاً: “قـبحك الله ضرير أعمى بعينيك وأعمى بقلبك”. فالجيش الأردني كان جيشاً عربياً فعلاً ولكنه في هذه اللحظة من تاريخه لم يكن له ملكاً للعرب.

وجميع من عاصر تلك الفترة أو قرأ عنها كان حصار الجيش المصري في “الفـلوجة” ومن الذين حوصروا الراحل جمال عبد الناصر…كل ذلك بفضل هذا الاتفاق المشؤوم ،إذ تفردت إسرائيل بالجبهة الغربية ومتابعة احتلال جنوب فلسطين(الصحراء) والتي كانت ضمن القسم العربي وفق قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة.

تلك كانت الحرب العربية الإسرائيلية الأولى وتلاها عام 1956 العدوان الثلاثي الفرنسي،-الإنكليزي-الإسرائيلي. وكانت مصر لوحدها لكن وللأمانة التاريخية يومها جهزت القوات السورية لتساند مصر عبر الجبهة الشمالية،لكن عبد الناصر طلب أن لا تتدخل سوريا حرصاً منه عليها. والحرب الثالثة عام 1967 ولسرعة أحداثها فقد بدأت وانتهت في خمسة أيام و لم يتح الوقت فيها لأية إرادات عربية التدخل فيها،ونصل إلى حرب تشرين 1973 والتي سميت بالحرب التحريرية لاسترداد الأراضي العربية السورية والمصرية المحتلة عام 1967 ومن تابع أحداثها أو قرأ عنها يعرف أن النية كانت متجهة لتحرير كامل الأراضي المحتلة وقد حاربت القوات السورية والمصرية في آن واحد وفي إعداد وتنسيق مسبق لتحقيق الهدف ووصلت بعض القوات السورية إلى حدود فلسطين المحتلة وعبر الأبطال قناة السويس واخترقوا خط بارليف في تلك الأيام كانت جولدا مائير تبكي وتناشد العالم إنقاذ إسرائيل وقد طلبت من سفيرها في أمريكا إيقاظ المسؤولين من نومهم وبعد عبور القناة وإعادة 10-12 كم من أراضي شرق القناة،تسمرت القوات المصرية فاستأثرت إسرائيل بالجبهة السورية وكانت طلعات الطيران المعادي فوق دمشق والجبهة كثيفة جداً،ونتيجة للاتصالات السورية صدر أمر لتطوير الهجوم المصري يوم 11 تشرين وأجل التنفيذ لصباح 14 والحديث” للفريق سعد الدين الشاذلي رئيس الأركان المصري وفي مذكراته يقول: بعد عودتي من الجبهة يوم 11 أكتوبر فاتحني الوزير الفريق أحمد إسماعيل القائد العام في موضوع تطوير هجومنا نحو المضائق ولكنني عارضت الفكرة وأبديت له الأسباب وبدا لي أنه اقتنع بهذا وأغلق الموضوع ولكنه عاد وفاتحني بالموضوع مرةً أخرى في صباح اليوم التالي الجمعة مدعياً هذه المرة أن الهدف من هجومنا هو تخفيف الضغط على الجبهة السورية ويتابع ليقول عارضت الفكرة على أساس أن هجومنا لن يخفف الضغط عن الجبهة السورية إذ لدى العدو 8 ألوية مدرعة أمامنا ولن يحتاج إلى سحب قوات إضافية من الجبهة السورية،وليس لدينا دفاعاً جوياً متحركاً إلا أعداداً قليلةً “.

وبدأ تطوير الهجوم حيث كانت الجبهة شبه هادئة بعد اليوم الأول ويقول : لقد كان هذا القرار هو أول غلطة كبيرة ترتكبها القيادة المصرية خلال الحرب،وقد جرتنا هذه الغلطة إلى سلسلة أخرى من الأخطاء.

ولتدليل على تباين وتضارب الإرادات،فلقد كشف بعد الحرب أن مصر كانت قد أعدت خطتين،الأولى هي إعادة الأراضي المصرية المحتلة حتى المضائق المصرية على حدود فلسطين والأخرى مقصورة على عبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف ثم التوقف على مدى 10-12 كم شرق القناة والخطة الأخيرة سميت”خطة المآذن العالية” وقد وافق الفريق أحمد إسماعيل على تنفيذها في ربيع عام 1973 ثم طورت الخطة ثانية لتكون على مرحلتين،الأولى وتشمل المرحلة الأولى وهي العبور والاستيلاء على خط بارليف لمسافة 10-12 كم في عمق سيناء والمرحلة الثانية وتشمل تقدم القوات شرقاً والاستيلاء على منطقة المضائق ولإيجاد فاصل بين المرحلتين كان يقال عند الانتقال من ذكر المرحلة الأولى إلى الثانية (ويعد وقفة تعبوية) يتم القيام بتطوير الهجوم شرقاً،ويوضح الشاذلي في مذكراته” أننا وعندما كنا نتحدث إلى السوريين ونصل إلى (الوقفة التعبوية) فنتركها ضائعة بلا تحديد” وهكذا يظهر بجلاء أن الخطة الأولى هي التي اعتمدت.

لقد ركزت إسرائيل جهودها على الجبهة السورية لأكثر من ثمانية أيام من الحرب ويوم طورت مصر هجومها الذي لم ينجح كانت أمريكا وفور اندلاع الحرب بادرت لإنقاذ إسرائيل ومدتها بكل أنواع الأسلحة والدعم المباشر وفي هذا الصدد تقول جولدا مائير”رئيسة الوزراء” للأجيال القادمة: سنذكر معجزة الخطط العظيمة من الولايات المتحدة الأمريكية في إحضار المواد التي تعني الحياة لشعبنا.

وكانت نتائج الحرب المعروفة والأحداث كثيرة مشرقة أحياناً ومظلمة حيناً. لقد أدى العرب دوراً رائعاً في هذه الحرب فعلى الجبهة السورية شاركت قوات من السعودية والكويت والمغرب والعراق كما شاركت قوات جزائرية وعربية على جبهة مصر.

وإلى جانب العمليات العسكرية وعندما صادق الرئيس نيكسون على تزويد إسرائيل بالسلاح قرر الملك فيصل رحمه الله فرض حظر على النفط وتبعه أكثر العرب،مما أدى إلى خسارة الولايات المتحدة 300-600 مليار دولار من ناتجها القومي بسبب هذا الحظر وكذلك نحو 45 مليار دولار بسبب ارتفاع تكلفة النفط وفي تلك الفترة اضطرت أمريكا إلى إنشاء احتياط استراتيجي من النفط قدره مليار برميل لاستخدامها الخاص ومدّ إسرائيل بالنفط.

والحرب الخامسة 1982 واحتلال جنوب لبنان صمت الجميع وبيروت العاصمة مهددة،وبادرت القوات السورية المتواجدة في لبنان لصد العدوان لكن إمكانيات إسرائيل كانت أكبر من أن يصدها بلد عربي لوحده وفي نهاية التطواف وكالعادة أتساءل وماذا بعد؟!…..

في إطار المنطق والعقل والحقائق قيل” الحق بلا قوة تدعمه لا قيمة له، والقوة بلا حق يدعمها لا قيمة لها “.

لقد تعرضت الدراسة إلى التحالف الاستراتيجي بين أمريكا وإسرائيل وإلى المصالح المشتركة بينهما والاعتقاد الإسرائيلي الشامل بأن الله أنزل التوراة والسيف،وهي حرب مستمرة فلا سلام يدوم إلى الأبد ونظرية الردع المستمرة “شامير” وقوة التاريخ ليست للسلام وإنما للسيف”جاتونسكي” وضرب من يحارب إسرائيل ويزعجها بالأسلحة فوق التقـليدية،وإستراتيجية التفوق العسكري بجميع حالاته على العرب قاطبة،ومشروع الشرق الأوسط الجديد وعمليات التفتيت والتوسيع وزيادة التناقضات والإضعاف المستمر ونشر العوامل المرضية( إثنية وطائفية ) وضرب كل الفئات المعارضة….

هل هناك من مؤمن بسلام مع هؤلاء الأعداء،وقد انكشفت مراميهم وجرّب العمل السياسي من وضعوا هدفاً واحداً للأمة هو إستراتيجية السلام،ومنذ الهدنة غير المعلنة مع جولدا مائير في اجتماعها الذي ذكرنا والهدنة الأولى ثم الدائمة بعد حرب 1948 والخطط والمشاريع تنهال علينا كالمطر الغزير والحصيلة لا شيء. إسرائيل تتوسع وجدار يشاد وقتلى وجرحى كل يوم والمستعمرات تقام والحدود لا تحدد ومفتوحة للظروف،ومناشدات المجتمع الدولي والإنساني تعلو وتزداد،والمستغيثون ينسون مبدأ أساسياً في الحياة إن لم تكن مع نفسك فلن يكون الآخرون معك…..والاحتلالات تتوسع (العراق) فلقد دُمر ودمرت الحرب كل إمكانياته العسكرية وحتى البنية التحتية فيه ” وأكمل الحصار ذلك التدمير،وجاءت الحرب الثانية ودمرت ما بقي وولدت الفتن والنزاعات. وفي السودان ملامح لتقسيم جديد والسلسلة تسير وأحداث لبنان والمؤامرات على سوريا ،لذا فإن جعل السلام هدفاً استراتيجياً مرجواً لن يقدم لنا ولا حتى الفتات فالرجاء فيه مسكنة وضعة سيما إن كان ممن لا يستحق الرجاء.

والعمل العسكري مستبعد ففي الوقت الحاضر سقط عنصراه “الإرادة والقوة” وفي الحروب السابقة يوم تصارعت الإرادات وتباينت بل منها من انحرف رأينا النتائج فما بالنا اليوم في جمع خطوط تباعدت عن بعضها…..من وقع اتفاقـية صلح ومن دعا إلى مؤتمرات عالمية على أرضه ومن ضمنها إسرائيل،ومن وقع اتفاقات تعاون اقتصادي معها…..

أما عامل القوة فبالإضافة لضرورته و إلى ضرورة رصد ميزانيات هائلة فإن الحليفين الاستراتيجيين- إسرائيل وأمريكا – لن نواز يهما،وأغلب مصادر السلاح بيد من نعاند خططه. ولم يعد يبقى لنا سوى المقاومة بكل أشكالها،وما فشل القياديون بتحقيقه عبر أكثر من نصف القرن حقـقـته المقاومة في زمن وجيز قـياساً بالظروف المحيطة بنا.

المقاومة اللبنانية حررت جنوب لبنان والمقاومة الفلسطينية حررت ولو جزءاً صغيراً من أرض فلسطين لكن لا أوسلو ولا مؤتمر السلام قبلها والذي عقد بعد حرب الخليج الأولى تحت شعار الأرض مقابل السلام ولا الرباعية ولا الرعاة المدعين للحياد قدموا شيئا و إضافة إلى التحرير فالمقاومة والانتفاضتين الفلسطينيتين وباعتراف د. – شلوموسبيرسكي في كتابه ” كلفة الاحتلال الإسرائيلي ” يقول ” أن ثمن الاحتلال للضفة الغربية كان متدنيا في السنوات العشرين 1967 – 1987 لكن منذ اندلاع الانتفاضة الأولى بدأت إسرائيل بدفع ثمن الغطرسة فعدد القتلى والجرحى منذ أيلول 1987 وحتى كانون الأول 2003 ارتفع إلى 1255 قتيلا و 6709 جريحا وخصص لبناء الجدار 3,5 مليار شيكل والتعويضات للمدنيين وصلت إلى 250 مليون شيكل وتراجع النمو الاقتصادي كما تراجع دخل الفرد وازدادت البطالة وقلصت الميزانية ثمان مرات بإجمالي قيمته 60 مليار شيكل،وطلبت إسرائيل من الحكومة الأمريكية تغطية العجز دون الحاجة إلى زيادة العبء في سوق النقد المحلية ودون اللجوء إلى رفع الضرائب ونتيجة لهذه النفقات الجديدة تدنى مستوى الخدمات،وفي العراق يعترف معهد “بر وكنغز” للأبحاث في واشنطن بأن عدد القتلى كان زمن الدراسة 1931 قتيلا وكلفة الحرب المحتملة يومها قدرت ب75 مليار دولار واليوم فاق عدد القتلى وتجاوز 3000 قتيلا والنفقات زادت عن 300مليار دولار بكثير وضمن الدراسة تقدر كلفة إلقاء القنابل مابين عشرة آلاف إلى 15 ألف دولار في الساعة،كل ذلك ماكان لولا مقاومة الأبطال للاحتلال.

لذا يجب أن لا نستغرب الحملة الشديدة والعدائية على المقاومة وتسميتها بالإرهاب وإن شاعت التسمية بعد أحداث أيلول،لكنها قديمة والكسندر هيغ وزير الخارجية الأمريكي في مطلع الثمانينات يقول: “إن مفهوم مقاومة استخدام الإرهاب الدولي وهو الاصطلاح الذي يستعمل للتعبير عن حركات التغيير في العالم الثالث،يجب أن يحل في اهتمامنا موقع مفهوم الدفاع عن حقوق الإنسان” كذلك فإن مواجهة هذا الإرهاب الدولي يجب أن يتم من خلال استخدام القوة العسكرية وهي القدرة على الاستئصال الجسدي والعنصري للقوى الثورية والقيادات الرافضة ومن العبث الحديث عن الإصلاح أو التجديد الذي يعني القيادات الأمريكية.

لقد حدد الإرهاب والإرهابيون. إنهم القوى الثورية والقيادات الرافضة للخطط الأمريكية ومن ضمنها الإسرائيلية،ولأن المقاومة لا تلغي الحسابات المرئية فـقط والبرامج المخططة بل تلحق الأضرار بالأعداء وبأكلاف مادية بسيطة وسلاح عادي جداً بل إنها تقـوي معنويات الشعوب وترفع شموخها وسقف طموحاتها لذا فهي مهابة وتبث الذعر لدى الأعداء ويجب استئصالها بكل الوسائل

ألم ينسحب الإسرائيليون من جنوب لبنان خلسة؟!..

ألم يصب الذعـر الإسرائيلين في الأراضي المحتلة؟!..

ألم تزدد أعداد المرضى بالأمراض النفـسية من قوات التحالف وخاصة الأمريكية منها في العراق ؟!….

عمر المقاومة طويل.. طويل لأنها تولد من رحم الأمة المحتلة أراضيها ومن آلامها ورحم الأمة كبير.. كبير ومنجب.. منجب ،والنشوء يزداد ويكبر والعشق لهم والهيام بهم يتعاظم والحب والمحبوب لا ينفصمان إلا بالموت ولنؤمن جميعاً أن السياسة فـن الممكن والمقاومة فـن المستحيل،ومن آمن واعـتقـد بالجهاد ازداد قـربه من الله عز وجل وهو القائل ” فلا تطع الكافرين وجاهـدهم به جهاداً كبيراً ” الفرقان الآية 53 ،بل إنه يحقـق حديث رسوله صلى الله عليه وسلم في قـوله ” أوثق عُرى الإيمان الموالاة في الله،والمعاداة في الله،والحب في الله،والبغض في الله ” والولاء معناه الحب والنصرة.

اللهم فاشهد أن ولاءنا كل الولاء لك.

محمد علي الحلبي

أضف تعليق