المؤتمرات الثقافية و المتآمرون عليها/ بقلم حسين راشد

المؤتمرات الثقافية و المتآمرون عليها

حسين راشد

و نحن على أعتاب  عصر مغاير لما ألفناه في العقود السابقة من تجريف و تحريف لمعنى الثقافة و مغزاها وددت أن أضع هذه المعضلة أمام الجميع .. فلعلنا نصل إلى وجهة نظر صحيحة و بالتالي نستطيع أن نعبر بثقافتنا و مثقفينا نحو المستقبل بشكل يليق بأهمية دور الكاتب الحق و الأديب الحق و نُكَوِن معاً هيكلاً ثقافياً حقيقياً يخدم البلاد و يخدم مواطنينا الذين غيبوا عن الثقافة و أصبحت كلمة ثقافة بالنسبة لهم كلمة مقيتة.

 

مؤتمراتنا الثقافية الإقليمية خاصة التي تقام على مستوى نوادي أدب المحافظة أو على مستوى الأقاليم مؤتمرات لا معنى لها من الإعراب الأدبي .. غير أنها حقيقة حبر على ورق و ميزانيات رغم ضئالتها إلا أنها تذهب جفاء  و هباءً منثورا.

بداية من عنوان المؤتمر الذي لا يمثل سوى اسم يطبع على مطبوعات المؤتمر التي تحوى دراسات و أأسف أن أقول عنها كذلك لأنها أيضاً لا تشف عن عنوان المؤتمر أو تصبح دراسة بحثية بالمعنى المفهوم .. وقد لا تعطي المأمول منها للمتلقي الغائب دوماً عن مثل تلك الفعاليات, فهي فقط تجميع أراء سريعة عن أعمال ترسل لأمانة المؤتمر ثم ترسل لأشخاص امتهنوا الكتابة السريعة و في ذات الوقت يسنون أقلامهم على من لا يعرفون و يمدحون من يعرفون , و هي أراء شخصية لا علاقة لها بالنقد الأدبي الهادف , و دليل على ذلك أنك لن تجد بعد كل هذه المؤتمرات الشكلية أي فائدة ملموسة على شكل الأدب في مصر عموماً .

و سؤالي الذي حيرني كثيراً .. ما الداعي لعقد هذه المؤتمرات؟ و ما هي الرسالة التي يحب أن يقدمها و لمن؟

فرسالة عبدالحميد الكاتب للكتاب و التي أوردها بن خلدون في مقدمته كان لها أثر السحر في نفسي لذا فسأنقل لكم مقطعاً منها لنتدبر حالنا ثم نعرج على موضوعنا الهام.

“إنَّ الكاتب يحتاج من نفسه ويحتاج منه صاحبه الذي يثق به في مهمات أموره أن يكون حليماً في موضع الحلم، فهيماً في موضع الحكم، مقداماً في موضع الإقدام، محجماً في موضع الإحجام، مؤثراً للعفاف والعدل والإنصاف، كتوماً للأسرار، وفياً عند الشدائد، عالماً بما يأتي من النوازل، يضع الأمور مواضعها، والطوارق في أماكنها، قد نظر في كل فن من فنون العلم فأحكمه، وإن لم يحكمه أخذ منه بمقدار ما يكتفي به، يعرف بغريزة عقله، وحسن أدبه وفضل تجربته، ما يرد عليه قبل وروده وعاقبة ما يصدر عنه قبل صدوره، فيعد لكل أمر عدته وعتاده، ويهيئ لكل وجه هيئته وعادته.فتنافسوا يا معشر الكتاب في صنوف الآداب، وتفقهوا في الدين. وابدؤوا بعلم كتاب الله عز وجل والفرائض، ثم العربية فإنها ثقاف ألسنتكم، ثم أجيدوا الخط فإنه جلية كتبكم، وارووا الأشعار واعرفوا غريبها ومعانيها، وأيام العرب والعجم وأحاديثها وسيرها، فإن ذلك معين لكم على ما تسمو إليه هممكم،((((( فهل رأيتم هذا في عصرنا يا معشر الأدباء؟!))))

لهذا و تفعيلاً بنصيحة عبدالحميد الكاتب أعلن لكم أنه منذ دخولي هذا المعترك و أنا أحمل في صيرورتي مارداً ضخماً قرأت عنه كثيراً تضخم في ذاتي و نصع فوددت أن ألامس حقائقه و يا ليتني ما فعلت .. كان هذا هو المعترك الأدبي .. وهو اسم مجازي لأن مفهوم كلمة أدب و ثقافة تأتي من تهذيب النفس و تربية الفضائل في الإنسان و هذا ما لم أجده يوماً في هذه الساحات الكرتونية التي يسعى كل من فيها لإثبات أنه الملهم و الكاتب المنتظر .. و بداخله فراغ  غير قابل لأي تطور أو فهم.و يرحل دون وضع لبنة في صرح الثقافة .. بل من المؤسف أنه يمكن أن يكون قد هدم منها.ثم يتوارى كما لم يكن.

كنت استبشر خيراً في أن المستقبل القريب سيكون هناك قواعد ثابتة تقوم عليها الحضارة العصرية و لكن كيف و كل القواعد المثبتة و المرسخة قواعد جوفاء عفنة .. لا هم لها سوى التحلي بما ليس فيها.

فمن المعلوم أن حضارة الشعوب تقوم على شكل هرمي قاعدته الأساسية الثقافة وضلعاه العمل و الأخلاق .. فماذا لو أن لم يكن هناك قاعدة ولا ضلوع .. هذه هي الفاجعة الكبرى فمن أين ستأتي الحضارة.

في ذات مؤتمر بعد أن اتضح لرئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة الشاعر سعد عبدالرحمن الشكل المذري الذي أقيم عليه مؤتمر أدباء الغربية ووبخ وقتها القائمين على المؤتمر و كان المؤتمر في كلية الآداب جامعة طنطا .. ولم يكن هناك جمهوراً رغم أن مديرية الثقافة أصرت على عقد المؤتمر في الجامعة  كي يكون هناك جمهوراً من الطلبة الدارسين لعلم الأدب و فنونه يحضرون و يثرون الفعاليات و لسبب آخر هو الأهم أن الجامعة ستتكفل بإطعام المشاركين بوجبة غذاء ..

قلت للشاعر سعد عبدالرحمن أننا نملك قصوراً للثقافة فلماذا لا يتم عمل مؤتمراتنا فيها ولماذا نهمل قصور ثقافتنا و نعقد مؤتمراتنا بعيداً عن أماكننا الثقافية و نروج لغيرها .. ففي بيتنا الثقافي ندعو من نشاء و تكون الأماكن مفتوحة للجماهير التي هي المستهدف من كل هذا .. و كان إيجابياً معي في هذا الموضوع , و لكن مع مرور الأيام لم يحدث هذا.

فالميزانيات الموضوعة للمؤتمرات لا تفي بالغرض , و الإدارات الثقافية تعتمد على إيجاد راعي لهذه المؤتمرات يتكفل بإطعام و مبيت السادة الأدباء المشاركين في المؤتمرات.

و تدور كل الدوائر في هذا المعترك من سيدفع لنا مصاريف السبوبه؟.. و يكون له الفضل في إنجاح المؤتمر .. و حتى كلمة إنجاح المؤتمر هذه لا أعرف كيف تحسب .. و الحاضرون فيها هم صانعوها لا أكثر, دون النظر لأية اعتبارات ثقافية حقيقية ,باتت المؤتمرات و أماناتها تبحث عن الشكل متناسية تماماً رسالتها.

و عندما شكوت سوء لوائح نوادي الأدب و سوء اختيار وأداء رؤساء النوادي و رؤساء النوادي المركزية التي تتشكل منها الأمانات الفعلية للمؤتمرات و هي من تضع كل خطط العمل و تشرف على تنفيذها قال لي الشاعر المثقف رئيس الهيئة أنه ليس له يد فيها  فالأدباء هم من يختارون بأنفسهم من يمثلهم و من يمثلونهم هم من يضعوا اللوائح و علينا أن ننصاع لما اتفق عليه الأدباء. و لا أعلم هل هكذا نستطيع أن نوجد بلورة حقيقية لمغزى و معنى ومساراُ يؤدي إلى طريق الثقافة و هل بذلك نستطيع أن نشكل حضارة ثقافية حقيقية , دون إيجاد خط و هدف قومي يفيد البلاد و العباد .. و هل باختيار بعض الأدباء لشخص معناه أنه يشكل بذاته مسار أمة .. و من المعلوم أن المبدع إن كان مبدعاً فهو خالق لعالم مغاير و يختلف كل مبدع عن الآخر في تصوره و في رؤيته و أهدافه .. فكيف لنا أن نوجد هذا الذي يدرك هذا و يستطيع دمج كل هذا في بوتقة وطنية؟!.و ماذا لو رأينا خطط عدونا في إفساد الروح الثقافية الحق و استبدالها بالأدنى و الأحقر .. و نحن نرى أننا نساعده في خططه. فقد فطن بني صهيون لهذا فانظر ماذا قالوا في بروتوكولاتهم”

الأدب والصحافة هما أعظم قوتين تعليميتين خطيرتين”

انظروا كيف يفكر العدو .. و ماذا نفعل نحن .. نحن نعطيهم أكثر مما يخططون .. و نهمل بلا وعي قدرتنا الخلاقة في إيجاد خط يصل بين المبدع و المتلقي  لحماية العقل العربي و المصري من خطر الغوغائية و الفوضى الفكرية.. بل كيف لنا أن نهدر أموالنا و طاقاتنا في مثل هذه المهاترات التي يدعون أنها مؤتمرات.!وهي تسير عكس الاتجاه, و يفرح بها المطبلون و المزمرون و المنتفعون من ورائها, و هي لا تستحق إضاعة الوقت و الجهد فيها.

و سؤالي لكل من يهمه الأمر .. هل استفاد الوطن من مؤتمراتكم؟ هل خرجتم بنظرية جديدة في علم الثقافة؟ هل علمتم أين أنتم من الثقافات الأخرى .. هل و ضعتم خطة عمل بعد دارسة هذه المؤتمرات لتكون هناك رؤية موضوعية يستطيع الباحث الحقيقي أن يلقي الضوء على أزمتنا الثقافية .. هل استفاد المتلقي من منتجكم.. هل يقرأ أحد غيركم ما تكتبون؟

هل استفاد الرواد من هذه الأماكن الثقافية مادياً أو معنوياً.. و هل ساعد هذا في إعلاء شأن الثقافة؟

نحتاج لرؤية حقيقية للمؤتمرات .. و لن أتعرض لمسائل شخصية في مقالي لأن الثقافة عندي و مستقبلها في وطني أعمق و أغلى من كل المهاترات .

لذا أتمنى أن يكون هناك نقاشاً جاداً في هذه المعضلة .. لنوجد معاً خطة عمل حقيقية تنفذ على أرض الواقع, فلا نصبح متآمرون على هويتنا الثقافية بل لنكون بالفعل فاعلين في بناء صرح تستفيد منه و تنهل منه أجيال قادمة.فكما قالت الحكمة العربية القديمة “”من تلزمه النصيحة يلزمه العمل “.

فها قد أوضحت لكم بعض من فيض ما نواجهه فهل لديكم القدرة و القوة في صياغة شكل أفضل للمستقبل؟

وهل سنتآمر على ثقافتنا بهذه الفوضى أم سنلتحم جميعاً لفرض الثقافة الحقيقية لهذا المجتمع العظيم

حمى الله مصر

و الحديث لا ينتهي

حسين راشد

رئيس الاتحاد العربي للإعلام الالكتروني

فنان تشكيلي كاتب  شاعر و أديب

مساعد رئيس حزب مصر الفتاة

و أمين لجنة الإعلام

أضف تعليق