الشعر وسيلة أم غاية // حسين راشد

الشعر وسيلة أم غاية ” حسين راشد

‏19 أبريل، 2014‏، الساعة ‏08:58 مساءً‏

شعر العامية المصرية

حسين راشد

توصيف و تحرير وهدف

رؤية : حسين راشد

الإبداع : هو خلق الشيء من لا شيء.. لذا فكان الله البديع.

توصيف الشعر من أهم ما يمكننا تقديمه في البداية.. فكما يعلم الكثيرون الحديث الذي دار عندما سمع حكماء و شعراء العرب حينما نزل الوحي على الرسول و أصبح هناك جدل واسع على أن ما أتى به الرسول الكريم شعراً و ليس وحياً.. و اجتمع كبار الشعراء آنذاك و تليت عليهم الآيات القرآنية الكريمة فكان قولهم ” أن له لحلاوة و أن عليه لطلاوة و أن أعلاه لمثمر و أن أدناه لمغدق وما هو بقول البشر” وما يخص الشعر في هذا الحديث أو هذا التوصيف الدقيق لمعاني الشعر أن الشعر له حلاوة عندما تسمعه و أنك تشعر بطلاوته و هو يدخل قلبك بلطف و تشعر بدفء دون حرارة و برودة دونما تجميد.. و أن أعلاه لمثمر بمعنى أنه حي يرتفع بك إلى السماء كالشجرة المثمرة التي تبهجك شكلها و تعطيك من ثمارها و أن أسفله لمغدق و كأن هناك بحراً أو نهراً سارياً من تحته فتجد الشاعرية  التي تشعرك بأنك ما بين السماء و الأرض و لكنه قول البشر.

من هنا نستطيع الغوص و التبحر في الشعر عامة و نذهب لنعرف ما هو الشعر العامي.. و سنلاحظ من أسمه أنه الشعر المكتوب أو المقروء باللهجة العامية أو التي يتحدث بها عموم الناس في المجتمع و خصوصية الشعر العامي أنه يركز و يرتكز على هموم المجتمع و يتحدث عن الحياة  من خلال لسان حال الشارع و الحارة و القرية و النجوع و المدن أيضاً  فهو نوع من أنواع المحاكاة الأصيلة التي قد لا تتجمل لكنها تعبر بصدق و فن في آن.

ومن المعلوم أن الشعر ديوان العرب .. وهذا لأن التاريخ في الزمن القديم لم يكن هناك من يهتم بكتابته و لكننا علمنا حالة العرب القديم من خلال أشعارهم و قصائدهم التي وصلت إلينا تحكي و تحاكي الوضع الاجتماعي و الثقافي و السياسي و العاطفي .. و من هنا كان هو ديوان العرب الذي أرخ للحالة الاجتماعية و السياسية في وقت لم يكن هناك شغفاً لكتابة تاريخ.

ومن أهم ما يميز الشعر العامي أو كما يقول أهل الشام “الشعر المحكي” أنه غني بالمتغيرات في التناول فكل فئة  من فئات المجتمع تأخذ الشعر العامي لتربتها و هويتها الثقافية و تتحدث من خلاله , ففي الريف نجد الحديث عن  الشجر و الزرع و الغلال و الفلاحة , و في الحارت المصرية يتحدثون عن حكاوي الحارة المصرية ما بين تاجر و صانع و في صعيد مصر يتحاكون عن الجذور و العادات الاجتماعية و الثقافية في كل مجتمع من المجتمعات, لذا فهو حالة غنية و حالات مكتملة كل حسب موقعه و اهتمامه و ثقافته فتتسع رقعة الإبداع الشعري في كل هذا من مكان إلى مكان و من ثقافة إلى ثقافة أو من موروث إلى موروث ومن عادات إلى عادات , لذا نجد أن هناك غنى حقيقي في هذا المخلوق الذي يحمل خصوصية المكان و الزمان و اللسان و الثقافة و العادات و الموروثات.

ولا شك أن الشاعر يحمل ثقافته و معايشته لينطلق من خلالها لعالم الشعر .. فنجد أننا نتحدث على مخلوق عملاق يصعب على الجميع وصفه في سطور قليلة.

لذا فنحن سنتحدث عن ديوان الإنسان الشاعر الذي يؤرخ تأريخاً غير رسمي و لكنه يعكس الرؤية الخاصة و في بعض الأحيان الرؤية العامة لشعب حسب معلوماته و معايشته للأحداث التي تدور حوله .. بينما التاريخ الرسمي يقف عند حدود الرسميات و في غالب الأحوال يكتبها الكاتب بأمر من السلطة لذا نجد أن الصدق الشعري يناطح هذا التاريخ الرسمي في كثير من الأحيان و نلاحظ هذا في الأحداث الجارية التي وشت بأن كتاب التاريخ  في الغالب ليسوا سوى أداة و بوق لنظام الحكم.. وحين يسقط النظام تجد آخرون يكتبون التاريخ بشكل مختلف و هكذا.

بينما الشاعر يكتب و يتفاعل مع الحدث و خاصة إذا كان لديه الحكمة السياسية و الاجتماعية التي تخوله كتابة كلام العامة ما ينتقيه من المدركة فيسطره بالضمير الشعبي.

و هذا النوع من الفنون يحيلني إلى مقولة عن توصيف الفن و دوره وهي تقر  بأن الفن ليس هو الحقيقة.. بل إيهام و خداع يسمح لنا بالاقتراب من الحقيقة و بالأخص الحقيقة القابلة للإدراك” فالفن عموماً ينطلق من الواقع إلى المتخيل ليعود بك إلى الواقع مرة أخرى و لكنه يعيدك إلى الواقع بنظرة مختلفه.

و لا شك أننا في الشعر المعاصر قد فقد الشعر العامي هذه الخاصية لأنه اهتم بسرد الواقع بكل ما به من تفاصيل الحياة دونما الصعود إلى المتخيل الذي يثمر من ثمار الخيال ليعود به إلى الواقع الذي يغيره بالجماليات المتخيلة و التي قد يفقدها الواقع.و أ‘تمد غالب الشعراء على خاصية تراسل الحواس و أنسنة الجماد والعكس.

يبدأ الشاعر في بدايات محاولاته الشعرية وعند أولى هواجسه الشعرية  يحاكي عواطفه التي قد يصعب عليه البوح بها مباشرة فيلجأ إلى هذا العالم ليخرج ما بصدره من مخبوءات على شكل قصيدة .. و حينما يبدأ مرحلة النضج و يغوص في أمور الحياة تبدأ مرحلة أخرى وهي محاكاة المجتمع المحيط به من صحبة  أصدقاء ثم محاكاة مجتمع بأسره و ليس محاكاة شخص فتتسع زاوية الرؤية عنده ومع الخبرات المتراكمة يبدأ في نقد المجتمع و يحمل هم الشعر كرسالة إلى المجتمع الذي يعيش به و لربما للعالم الإنساني بأشمله.

لذا فنحن أمام مخلوق قد يغير و يبدل الجوهر الإنساني و يصقله و يأخذ بيده إلى عالم مليء بهموم البشر في شتى مناحي الحياة .. و هو القادر على طرح الأفكار و الرؤى المختلفة في شكل فني ممتع و خلاق .

ولا شك أن العلم الحديث قد فرد لنا نظريات فلسفية عن جوهر الإنسان على العموم دون تخصيص .. و من هذه النظريات المستحدثة و التي كتبت في البرمجة اللغوية العصبية  والتي يحدد بها الدارس سمات الشخصية على ثلاثة أشكال رئيسية و هي:-

1-  شخصية حسية :- و هي الشخصية المهمومة بالمحسوس و المائلة كل الميل للمدرسة الرومانسية . مدرسة الحلم و الخيال .و يكون حديثه في الغالب عن أشياء حسية .. فتراه يعتمد على السكون و السكوت أكثر من الكلام .. و قد يكتفي بهز رأسه عندما تسأله ..و إذا تحدث تكلم  قليلاً و تكون عباراته عبارة عن إشارات داله على خفي.. فيقول لك شعرت بأنني كذا .. تخيلت أني مع فلان .. تصور ذاتك مع من تحب فماذا ستقول .. على هذا النحو.

2-  شخصية بصرية :- وهي التي يكون إدراكها و مشاعرها و ردود أفعالها تعتمد في الأساس على الصورة و المشاهدة و من هنا كانت الذاكرة الفوتوغرافية و التي تتعامل مع كل مشاعرها بالمشاهدة ووصف المشاهد . فتراه يحكي لك بانوراما مصورة و تجد كلماته التي يعبر بها على سبيل المثال .. رأيت كذا .. و شاهدت كذا.. و كان شكله كذا.

3-  شخصية سمعية :- و هي الشخصية التي تتأثر دائماً بما تسمعه و السمع عندها هو أساس شخصيتها و نقطة انطلاق أفكارها.فيقول على سبيل المثال .. سمعت أنهم يقولون .. أسمعني حين أتكلم.. كن دقيق القول.. قلتُ لفلان .. فقال لي..  هكذا.

وهنا أشاروا لتلك الخصائص بمثالٍ كي يوضحوا كيف يمكن أن تصنف الشخصية التي أمامك باختبارات بسيطة .

فعلى سبيل المثال .. يقول للشخص .. إذا كنت على شاطئ البحر .. فماذا سيلفت انتباهك؟!

سيقول صاحب الشخصية البصرية جمال البحر و لون السماء .. و يحدثك كأنه ينقل لك صورة حية يمكن أن تترجمها و تطبعها كصورة.

و سيقول صاحب الشخصية السمعية .. صوت تلاطم الأمواج و السكون المحيط بالمكان. و ستلاحظ أنه ينقل لك الأصوات من حركات و سكون.

و سيقول صاحب الشخصية الحسية:- تشعر بأنك في كوكب آخر .. و تشعر براحة النفس و الطمأنينة .. تتذكر أجمل الذكريات .. أي أنه سيعتمد على الذاكرة الحسية للمكان و ربما يترك كل ما يحيط به لينقل لك الصورة التي تشكلت بوجدانه لا الصورة التي تراها بعيناك.

وهنا يمكننا أن نستخلص مما سبق أننا لا يمكننا تصنيف الشعر و الشاعر بصفة موحدة .. لأن من الطبيعي أن كل أصحاب تلك الشخصيات و أكثر موجودون في عالم الشعر .. و الشاعر الواعي المثقف يستطيع أن يجمع بين تلك الشخصيات و يوظفها في عمله , بالطبع الشاعر و الأديب وكل ما يتعلق بفنون الكتابة, وإن كنا قد عرفنا و عرجنا على هذه الشخصيات فمن المؤكد أننا سنعرف كيف نقرأ النص كمتلقين .. و كيف نخاطب المتلقي كأدباء و شعراء

و الحديث له بقية

أضف تعليق