التمسك بالشرعية لا يكون بالانقلاب عليها//د. إبراهيم حمّامي

التمسك بالشرعية لا يكون بالانقلاب عليها

 

د. إبراهيم حمّامي

الثالثة ثابتة …. هكذا يقول المثل الشعبي والذي يبدو أنه ينطبق تماماً على محمود عبّاس ومن معه في محاولاتهم المتكررة للانقلاب على الشرعية الفلسطينية بعد مفاجأة الانتخابات التشريعية الماضية.

في العام 2006 حاول محمود عبّاس وبأشكال متعددة القفز على نتائج الانتخابات من خلال سحب الصلاحيات والتلويح بمنظمة التحرير وتنظيم ومباركة الإضراب المسيّس واستلام والتصرف بالأموال المخصصة لمساعدة الشعب الفلسطيني وغيرها من المؤامرات المتوالية المتتالية، لكن أبرز محاولاته كانت الدعوة لاستفتاء غير شرعي و غير دستوري وتحديد موعد له في شهر يوليو/تموز الماضية ليسجل أول خرق رسمي للقانون الأساسي ومحاولة أولى للانقلاب على الشرعية الفلسطينية.

المحاولة الثانية للانقلاب كانت في شهر ديسمبر/كانون أول الماضي بإعلانه عن انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة لم يحدد لها موعدا، وهو ما لا يملكه كرئيس للسلطة وبحسب القانون الأساسي الفلسطيني الذي عُدل عام 2003 خصيصاً من أجله بعد استحداث منصب رئيس الوزراء وتفصيله على مقاسه لمواجهة عرفات.

فشلت تلك المحاولات، لكن درجة الفلتان الأمني وصلت لدرجة لا تطاق بعد سقوط المئات من الضحايا برصاص الغدر، وتحول قطاع غزة تحديداً إلى غابة من السلاح تحت مسمى الشرعية، وكأن الشعب الفلسطيني لم تكفه مآسي “ديمقراطية غابة البنادق” في الأردن ولبنان، لتحل عليه شرعية غابة السلاح من حرس رئاسي وقوة ال 17 وغيرها.

انتفض الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وقضى على مراكز القوى وقلاع الشر وسقطت في ضربة واحدة رغم عشرات الملايين من الدولارات التي ضُخت، والأسلحة المتطورة التي خُزنت، وهو ما لم يرق لعبّاس ومن حوله، فقرروا الانقلاب الكامل على الشرعية الفلسطينية عبر تشكيل حكومة عسكرية تحتمي وتستقوي بالاحتلال ودباباته.

دون شك أن من صلاحيات رئيس السلطة وبحسب القانون الأساسي إقالة الحكومة، ومن صلاحياته أيضاً إعلان حالة الطوارئ، لكن ودون شك أيضاً أن الحكومة المقالة تبقى حكومة تسيير أعمال إلى حين نيل أي حكومة جديدة الثقة من المجلس التشريعي قبل أداء اليمين الدستورية أمام رئيس السلطة، ودون شك أيضاً أن من يٌنفذ حالة الطوارئ لمدة 30 يوم هي الحكومة الحالية بصفتها السلطة التنفيذية القائمة سواء كحكومة كاملة أو حكومة تسيير أعمال، ودون شك أيضاً أن رئيس السلطة لا يملك تشكيل حكومة تحت أي مسمى خارج التشريعي وبحجة الطوارئ.

المرسوم العباسي الثالث هو خرق فاضح للقانون الأساسي الفلسطيني يستوجب إسقاط الأهلية القانونية عنه، هذا لو كانت هناك دولة وسلطة حقيقية فعلية، وهو ما لا ينطبق على الوضع الحالي الذي يستقوي فيه طرف على آخر بحماية دبابات المحتل، والحكومة التي كُلف فيّاض بتشكيلها هي حكومة انقلابية عسكرية بامتياز، وأداء قسمها أمام عبّاس دون نيل الثقة من التشريعي وتحت أي مسمى كان هو تمرد على النظام السياسي الفلسطيني، ورئيس تلك الحكومة الانقلابية العسكرية وأعضاؤها هم متمردون على الشرعية برعاية رئيس انقلابي متمرد قرر تجاوز أعلى سلطة (المجلس التشريعي) وخرق الدستور (القانون الأساسي).

لنتساءل وبشكل سريع من هو الذي ينقلب على الشرعية ليشكل حكومة عسكرية خارج الإطار القانوني، ويوعز في ذات الوقت بتدمير كل مظاهر الشرعية الفلسطينية، وليحاول كل من لديه ذرة شك في موقف عبّاس ومن معه أن يجيب على الأسئلة التالية:

· من الذي يقوم اليوم بحرق مقرات التشريعي في الضفة الغربية وفي ظل حالة الطوارئ التي أعلنها عبّاس؟

· من الذي يعتدي على الكتل البرلمانية ويحرق مقراتها؟

· من الذي قام وباسم الحركة التي يتزعمها عبّاس بعزل المجالس البلدية المنتخبة في نابلس والخليل وقلقيلية وعيّن مجالس أخرى نيابة عنها؟

· من الذي أصدر اليوم قرارات غير شرعية بعزل مدراء وموظفين وتعيين بدلاً منهم من لون عبّاس؟

· من الذي يغلق باب الحوار الفلسطيني-الفلسطيني ويفتح باب الحوار مع المحتل على مصراعيه حتى وان كانت أيدي المحتل تقطر دماً كما حدث بعد مجزرة شاطئ السودانية (عائلة هدى غالية)؟

· من الذي يتمسك بالشرعية الفلسطينية وبوحدة أراضي السلطة ويدعو للحوار؟ ومن هو الطرف الذي يصر على عزل قطاع غزة؟

· من هو الطرف الذي غض الطرف عن ممارسات الاحتلال وجرائمه لسنوات، ويدعو اليوم لاستقدام قوات دولية لقطاع غزة فقط! بينما الضفة مستباحة من قبل الاحتلال ولا يستدعي لها أحداً؟

· من هو الطرف الذي يسمح له الاحتلال بالتحرك عبر حواجزه في الضفة الغربية وبسلاحه الكامل ليحرق وينهب ويقتل؟

· لماذا ضخ الاحتلال ومن ورائه عشرات الملايين من الدولارات على محمود عبّاس ومن معه؟

· لماذا تخزين كل تلك الأسلحة التي شاهدناها في معتقلات عبّاس بالقطاع؟ وهل كانت لحماية الشعب الفلسطيني؟

· هل تحول الشعب الفلسطيني رهينة في أيدي أبو جبل والزبيدي في الضفة بعد أن تخلص من دحلان وأبو شباك في غزة؟

· هل يقبل أي فلسطيني مهما كان انتماؤه بعزل قطاع غزة وقتله كما يريد عبّاس مقابل إنعاش الضفة الغربية لإثبات أنهم القادرون على حكم الشعب الفلسطيني؟

· ألم يتعظ هؤلاء مما جرى؟ وهل مصالحهم الشخصية والفئوية أهم من مصلحة الشعب الفلسطيني وقضيته؟

· الأهم هل تقزمت الشرعية الفلسطينية اليوم لتتجسد في شخص واحد سيلقى ربه يوماً، ليقرر ما يشاء وكأنه الحاكم بأمره العبّاسي، وخارج الشرعية الحقيقية؟

إن من ينقلب اليوم على الشرعية الفلسطينية هو محمود عبّاس وبقرار من مستشاري السوء حوله، بعد أن أحاطوا به إحاطة السوار بالمعصم وعزلوه عن العقل والحكمة، ليخرجوا واحداً تلو الآخر متحدثين باسمه، حقيقة أم غصبا … لا ندري، فعبّاس اليوم اختفى ولا ينطق إلا من خلال عبد ربه ونبيل عمرو وأحمد عبد الرحمن والطيب عبد الرحيم وصائب عريقات!

هل يذكركم هذا المشهد بشيء؟ إنه مشهد الأيام الأخيرة لعرفات بعد أن حجر عليه من قتلوه! إنهم هم هم لم يتغيروا ولم يتبدلوا، هم هم بأشكالهم وقراراتهم وآرائهم، هم هم في تأجيج الفتنة وقيادة الفساد، هم هم وهم يجتمعون في رام الله بالقيادات المجرمة بحق شعبنا دحلان وأبو شباك والمشهراوي وغيرهم، هم هم وقد جمعتهم عقلية المصالح والانقلاب على كل شيء، هم هم من يريدون اليوم إضاعة ما تبقى من فلسطين بعد أن باعوا ما باعوه!

ليتذكر هؤلاء جميعاً ومن يدعمهم أن كل ملايين الأرض وأسلحته لم تغن عنهم غضبة الشعب، وليتذكروا أن معتقلاتهم التي عُذّب وقُتل فيها أبناء الشعب الفلسطيني على أيدي المجرمين من أمثال دحلان وأبو شباك سقطت أمام إرادة الشعب، وفرت القيادات الإجرامية بشكل جبان مخز، لتعود وتتموضع اليوم في رام الله، ليتذكروا أنه مهما طال الزمان فالشعب هو المنتصر ومصيرهم هو مصير كل مجرم عبر التاريخ.

إن أخشى ما نخشاه أن تصبح قضية الشعب الفلسطيني اليوم هي وحدة الضفة والقطاع، وأن تنصب الجهود والحوارات واللقاءات والمبادرات حول هذا الهدف، لننسى فلسطين وحقوقنا، وليهنأ الاحتلال ووكلاؤه، لكن الشعب الفلسطيني لن يقف متفرجاً على من يعبث بمستقبله وحقوقه، وان لم يرتفع صوت العقل والحكمة لتفادي مصيبة تلوح في الأفق، فإن للشعب الفلسطيني القول الفصل، فحذارِ من غضب الشعب.

أضف تعليق