المنطق والقطنم // بقلم : محمد علي الحلبي

المنطق والقطنم

 

الفكر الإنساني ومنذ بدايات الحياة راح يبحث عن الضوابط الناظمة لها على جميع المستويات الفردية والاجتماعية محاولا ًإلزام نفسه بها،وملزماً ا أيضا الآخرين بالتقيد بها ليخلص ويتخلص من شريعة الغاب حيث سادت ردحاً من الزمن انعدمت فيه المبادىء،وضاعت فيه الأصول ففقد الوجود معناه وامتلأت الأيام بالضلالات وحتى بكوابيسها ،ومن خلال المعايشة والجهد التجريبي بدأت الأسس توضع وتتوضع وكان الناظم لها علم المنطق منذ العهد الإغريقي وأرسطو ولقد أجمع العلماء على أن المنطق(قانون التفكير الصحيح)وهو العلم الباحث المنقب عن القواعد العامة للتفكير الصحيح وبالتالي فهو الآلة التي تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ الفكري ، واللغة العربية وفي براعتها وقدرتها الإبداعية اشتقت الكلمة من النطق المعبر والشارح للأفكار ومحرك النطق العقل والفكر،والنتيجة الملزمة والحتمية أن توضع كل السلوكيات بدءاً من مراحلها الأولية صعوداً إلى أعلى مراحلها الحياتية تحت أطر المنطق والعقل،فعلاقات الفرد بأسرته تحلو وتتجمل عندما يظللها الحب العقلاني الناضج الواعي فيكسبها كل المعاني الإنسانية الخلاقة،وتتعاظم وتكبر دوائر الربط المنطقي كلما كبرت المساحات الاجتماعية،فهناك البلد والوطن،وهناك أيضاً المجتمعات الأخرى،وفي جميع الأحوال فذهاب العقل عنها وتركه لها يجعلها جميعها تدخل في اضطرابات تكبر وتصغر كبر وصغر الخلل وتترك البصمات المؤلمة على جميع الجوانب،والمشافي والمصحات العقلية النموذج الأمثل لفقدان كل ضوابط العقل أكان الفقدان دائماً أو لمراحل زمنية محددة.

 

ولنثبت فكرة القانون الحياتي المحدد للتفكير الصحيح في أذهاننا ولنتمسك به عصمة لنا عن الخطأ والخطيئة،ومتى اعتمد منهجنا هذا الضابط والأسلوب كان تحقيق الغايات المرادة أسهل وأفضل إن ضمنت وضمت إليه الوسائل الصحيحة لتحقيقه.

 

والخطيئة في اللغة سلوك سبيل الخطأ عامداً بينما من أراد شيئاً وفعل غيره يقال عنه أخطأ،والخطأ عمل غير سوي عن غير عمد،والرسول العربي صلى الله عليه وسلم حمل مسؤولية الخطيئة للجميع إذ قال:”إذا عملت الخطيئة في أرض فمن أنكرها كان كمن غاب عنها ، ومن رضيها كان كمن شهدها”وأبو عبد الله الجدلي يقول:”ما رفع داوود عليه السلام رأسه إلى السماء بعد الخطيئة حياء من ربه”ويضع الأمور في نصابها يحيى بن معاذ في قوله:”العالم رأى الذنب في الخطيئة فنظر بالغلظة إليه،والعارف عرف موقعه منه فنظر بالشفقة عليه”،والقدامى قالوا:”ترك الخطيئة خير من معالجة التوبة”.

 

وفي هذا الزمن الرديء التعيس تكثر الخطايا وتتنوع،ومن باب الخطيئة الكبرى الكذب بأنواعه ووضعه تحت عناوين براقة تحوي كل أنواع الضلالات إلا ما سميت به زوراً وبهتاناً،ولنلق نظرة على بعض التعابير التي تشغل أذهاننا وتأخذ الحيز الأكبر من أيامنا،ولنبدأ بالسلام.

 

نقطة البدء هنا أن السلام اسم من أسماء الله الحسنى،والسلام في التفسير اللغوي هو الأمان والاطمئنان،والحصانة والسلامة،ومادة السلام تدل على الخلاص والنجاة،ومن تخلص من عيوبه سمي بصاحب القلب السليم،والسلم بفتح السين أو كسرها هو المسالمة وعدم الحرب،والله جلت قدرته هو السلام لأنه ناشر للسلام بين الأنام،وهو مانح السلامة في الدنيا والآخرة،وهو المنزه من جميع العيوب والنقائص لكماله في ذاته وصفاته وأفعاله فكل سلامة معزوه إليه صادرة منه،وهو الذي سلم الخلق من ظلمه،والإسلام عنوان دين خاتم الرسالات مشتق من السلام الذي هو إسلام المرء نفسه لخالقها،وعهد منه أن يكون في حياته سلماً ومسالماً،والرسول العربي صلى الله عليه وسلم يقول:”السلام من الإسلام…..أفشوا السلام تسلموا، ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان:الإنصاف مع نفسه، وبذل السلام للعالم، والإنفاق من الإقتار”وكان يدعو دائماً:”اللهم أنت السلام ومنك السلام وإليك يعود السلام، فحينا ربنا بالسلام”.

 

  • من تعاريف أسماء الله الحسنى-

ووقفة تأمل لابد منها وهي تتركز في شيئين اثنين القلب السليم الخالص من العيوب وسلامة الخُلق والخليقة أرداهما الله جلت قدرته لعباده،والنتيجة الحتمية من ذلك أن السلام يتنزه عن الظلم ولا تشوبه شائبة ففيه النقاء والصفاء وضمان مفهوم الحق في شموليته،وطالما أن للسلام شروطه المنطقية فهي ثابتة لا تتغير ثبات اسم الله وقدرته غير القابلة للتغيير منذ كانت الخليقة بل قبلها وحتى نهايتها،بل بعد النهايات التي لا نعرف عنها شيئاً،والله أزلي أبدي دائم،ويقودنا التفكير لوضع ضابط وجودي أساسي فهو الحق ولحظة إحقاق الحق هي لحظة السكينة والوقار،والحق أيضاً اسم من أسماء الله الحسنى.

 

والحق هو الله،هو الموجود حقيقة،موجود على وجه لا يقبل العدم ولا يتغير،والله الثابت الذي لا يزول،وكلمة الحق تطلق أيضاً على القرآن والعدل والإسلام والصدق،وجميع هذه المعاني كاملة متكاملة لا تقبل التجزئة ولا الانتقاص ولا الزيادة فثبات مضامين الحق ثابتة ثبات أبدية الله فليس هناك ربع حق أو نصف حق أو نسبية فيه مهما بلغت هذه النسبية،بذلك نكون قد عرفنا السلم والسلام والسكينة والحق……ومن ذلك نخلص إلى أن ما يسمى بمشاريع السلام في الشرق الأوسط هي خداع وضلالات وزيف،والتاريخ في حقيقته والصراعات والحروب التي تمت بين مختلف الدول كانت تخضع لمنطق القوة حيث الأقوى يحتل ويسيطر على الضعفاء،ويفرض شروطه القاسية من أجل التهدئة أو لنقل تجاوزاً التسوية ودائما ما تكون شروطها مجحفة بحق المحتلة أراضيهم.

 

مثل هذه الحالات تولد الألم في مشاغرالمغبونين إضافة إلى الكراهية لمن ناصبهم العداء وتبدأ التحضيرات لجولات وجولات جديدة من أجل استعادة ما فقدوه،ومن يتتبع القضية الفلسطينية يجد ومنذ اليوم الأول لإعلان قيام دولة الاغتصاب تنادى بن غوريون ومجموعة من ” الإسرائيليين” للمطالبة بالسلام،تتالت بعدها الحروب والهدنة،والهدنة سكون على دَخَنٍٍ أي على غلٍ،وتمر الأيام ويتقادم الزمن ومشاريع تنطلق في الأجواء بمسميات عدة ومن مصادر عدة أممية وإقليمية،والحروب تعود من فترة لأخرى بل أصبحت في السنوات الأخيرة شبه يومية،إنها السبيل لقتل المزيد من أصحاب الحقوق , والأراضي تنهب،وجدران الحماية تقام،وعمليات التنكيل والتدمير والتجويع تمارس بكل عهرها على الشعب المهضومة حقوقه،ويبادر القادة العرب لإطلاق مبادرتهم تحت عنوان مبادرة السلام وفيها تخلٍ عن الحق ومباركة للمجرم على جهوده الإجرامية،بل وعد بأن يتعايش الجميع مع المجرمين يبادلونهم العلاقات والمصالح ويكرمونهم الإكرام كله،والأسوأ من كل ذلك أن هذا السلام الزائف – غير المؤمنة به “إسرائيل ” – هو الهدف الاستراتيجي الوحيد لهم.

 

وهنا أتذكر أن لقاء جمع بيني وبين صديق عزيز غالٍ راح ينتقدني بعدم تقديري للظروف الفارضة لسياسات معينة فليست الحياة برمتها وكليتها مبادىء،بل لابد من اللين والحصول على ما يمكّن منه،وبعد نقاش طالت مدته أجمعنا نحن الإثنان على رأي أن الهدف يجب أن لا يحاد عنه،والسياسة فن الممكن بل فن الاستجداء في ظروف عدم التناظر والتماثل , لكن ذلك يبقى مقبولا مرحلياً ريثما يتم التحضير لانتزاع الحق بالقوة،فالحق بلا قوة لا قيمة له شأنه شأن القوة لا قيمة لها وهي منتهية حتماً إن لم يحتويها حق.

 

وفي السياسات العربية المعاصرة هذا إن جازت تسميتها بذلك نجد مسؤولا ًكبيراً في بلد محتل يطالب ببقاء قوات الاحتلال على أرض وطنه ريثما يتم الاستقرار،ويكاد العقل ينفلت من عقاله كيف يطلب من المسبب والأصل في المآسي والجرائم على أرض هذا البلد العربي البقاء؟!…. بل كيف له أن يبيت وتبيت أسرة الوطن تحت سقف واحد مع المجرمين؟!….وكيف يطمئن إليهم؟!….أليس ذلك مخالفاً لكل قواعد المنطق الحياتي؟!…في مثل هذه النماذج تقدم القيم قرابين لتذبح في مسالخ العفن والدناءة وأكثر فمسؤول عربي يدين العمل المقاوم بينما يتغنى وتبتسم شفتاه وتنفرج أسارير وجهه وهو يقبل أحد المسؤولين من أعدائه،وهو ذاته مهندس اتفاقية التسوية والتي فاق عمرها عن عقد ونصف،وحصاد جهده “الرائع” هشيم وأوضاع من أؤتمن عليهم تزداد سوءاً،ويتردد إلى ذهني سؤال أهذه هي السياسة؟!….

 

ويسعفني معجم العين ويعود بي إلى أيام عاشتها البشرية فلم يعد هناك من فرق بين السائس الذي يسوس الدواب سياسة فيقوم عليها ويروضها،وبين الوالي الذي يسوس الرعية ويرعاهم،ويتبدى لي في معجم تاج العروس من جواهر القاموس شرح أفضل وأعمق إذ يقول ساست الشاة تساس سوساً أي كثر قملها.

 

إنها مرحلة سياسية يمتص فيها القمل دمنا على دفعات وصولا ًلأمراض تصيبنا وتقربنا من الموت الذليل….هكذا يخطط لهذه الأمة أعداؤها وينفذ لهم برامجهم العديد من المسؤولين والرسميين ومزيفو الرؤى والأفكار، أليس في كل ذلك ما يناقض المنطق ويخالفه تمام المخالفة،لا بل ألم تصبح الجرأة في ابتكار الخطايا والحديث عنها بلا خجل عادة تمارس بل وحتى بات التغني بها لا يثير في وجدان قائليها أي ذرة نخوة أو شهامة.

 

وصرعة العصر وأحدث مبتكراته-المحكمة الدولية-0

 

في البداية وفي إطار المنهجية العقلية فلا أحد إطلاقاً يعارض الكشف عن قتلة الحريري ومحاسبتهم وفق الأصول القانونية فهو إنسان دفع حياته ثمناً للعمل العام ، وبغض النظر عن الآراء المتباينة في تقييم أدائه،لكن الحادثة وقعت و بدأ التباري في الخروج عن المنطق وبيع الوطن والأوطان،وتحويل القضية عن دائرتها الحقوقية المحددة إلى دائرة سياسية يصطاد فيها الغرباء والأعداء كل المعاني الوطنية في لبنان،وفي جوار لبنان بل وعلى الأرض العربية الشاسعة الواسعة،وبنظرة هادئة وبعيدة عن التأثرات الانفعالية إن كانت مؤيدة لهذا الرأي أو متعارضة معه فالتخلخلات تبدت.

 

تحقيق طال أمده بينما وعد الجميع بسرعة انجازه من قبل المشرفين عليه والذين لهم باع كبير وخبرة في التحقيقات الجنائية ولقب واحدهم الخبير الدولي،لكن الخبرة الأولى وبعد زمن أفرزت حقائق أبعد ما تكون عن العدالة والحق , فالضغوط والإغراءات دفعت بشهود صالوا وجالوا وبينوا ما أسموه بالخفايا،لكن بعضاً منهم فضحهم ماضيهم القذر فتراجعوا عن كل ما قالوه إنما الحمايات”الدولية”حمت وساخاتهم.الكل يذكر عندما رفعت الشاشة عن المسرحية وكان المحقق الدولي”ميليتس”واختار المكان الذي سيجري فيه التحقيقات وحمي لمسافات أمنياً،وكان النشاط يومها على أشده واستدعى العديد لسماع أقوالهم،وبدأت تسرب أخبار عن نتائج التحقيق مدينة جهة معينة لا تلبث أن يتغير الاتجاه لاتهام جهة ثانية،والحصيلة كانت في تقارير أشبه بعناوين الصحف ذلك بعد أن مضى أكثر من عام واستقال المحقق وأتى بعده محقق جديد “براميتز” وعلى عكس الأول فلا حديث وربما حتى تكاسل في استدعاء الشهود وصمت مطبق وتمديد لمدة التحقيق من قبل مجلس الأمن،وما يشد الانتباه الإسراع بإنشاء المحكمة قبل انتهاء التحقيق….

 

ذلك يذكرنا و “للسرعة ” بوضع الحصان خلف العربة, لكن قد ينتهي التحقيق إلى حصيلة غير محددة المعالم، ذلك يحصل أحياناً في قضايا جنائية عادية تضيع أو تضيّع فيها الأدلة ولو كان هذا الاحتمال ضعيف النسبة، لكن احتماله قائم. من هنا يبدو بجلاء أن البت النهائي وحتى إن تم خاضع لعوامل الزمن الطويل وللمماحكة والرغبات السياسية، والمستهدف أولا ًوأخيراً سوريا التي ما زالت عصية عن اللحاق بالركب العربي “المعتدل.”….المتنازل، وبالتالي تسليط الأضواء عليها وخلق المشاكل لها والتهديد والوعيد أملا ًبأن تحيد عن نهجها وخطها وهذا لن يكون إطلاقاً.

 

والخطورة أيضا في تضمين قرار إنشائها البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة والذي يجرد لبنان من سيادته الوطنية،بل ويمتد ذلك ليشمل رؤساء وحكام الأقطار العربية على اختلاف تسمياتهم ليجردوا أيضاً بلدانهم من سيادتها وحتى المواطن العادي اللبناني سيصبح تحت رحمة المحكمة تتصرف بحياته ومستقبله حسب إرادة”مجلس القضاء الأعلى”المكون من أمريكا ثم فرنسا والمساعدة إنكلترا، وميثاق الأمم المتحدة يحتوي تسعة عشرا باباً أصبح نافذاً في24من تشرين الثاني1945،وفصله السابع ينص على استخدام القوة العسكرية لتحقيق قرارات مجلس الأمن بغض النظر عن عدالتها والدليل على ذلك استخدامه إبان الحرب الكورية عام1950-1953وتسميية قوات الغزو لكوريا وهي أمريكية أصلا ًمع بعض المتحالفين معها بقوات التحالف الدولي،في تلك الفترة دفعت كوريا الملايين من أبنائها ثمناً لهذا القرار وقسمت بعدها وكما هو معروف إلى دولتين شمالية وجنوبية،والعداء يزرع بينهما من حين لآخر،وبذات الإخراج والأسلوب طبق الفصل السابع على العراق في1991وقذف العراق بقنابل فاقت قوتها التدميرية العشر قنابل نووية كتلك التي ألقيت على هيروشيما،ومات العديد من أطفاله نتيجة تواجد رواسب اليورانيوم المنضب وكما في كوريا قسم العراق إلى منطقتي حظر جوي شمالية وفيها الأكراد وجنوبية وبقي الوسط للعراق حق التحكم بأجوائه…..وطبق الحصار على العراق لما يقرب من عقد من الزمن بموجب الفصل السابع…. مات خلاله أكثر من مليون طفل….نتيجة الجوع ونقص الأدوية والرعايات الطبية،وبدأت التشوهات الولادية تظهر،والفقرة التي تجيز كل هذه الجرائم تندرج تحت عنوان تهديد”الأمن والسلام الدوليين”رغم غموضها وعدم تعريفهما،وأعود إلى المحكمة فمن بإمكانه أن يبرهن أن عملية الاغتيال ستؤدي إلى تهديد الأمن والسلام لا المحليين بل الدوليين.

 

وعودة لتاريخ المحاكم المماثلة فقد أقيمت محكمة روتنبرغ بعد هزيمة ألمانيا في نهاية الحرب العالمية الثانية وحاكمت قادة النازية بجرم ارتكاب مجازر جماعية،والمرة الثانية أقيمت محكمة لمقاضاة قادة الصرب لارتكابهم مجازر جماعية ضد مسلمي كوسوفا ولم تصدر عن المحكمة أحكام لأن”ميلوسوفيتش”توفي أثناء المحاكمة،وعند إصدار القرار لإنشاء هذه المحكمة الأخيرة وامتناع الخمس دول عن التصويت عليه قال مندوب جنوب أفريقيا:”من غير المناسب أن يفرض مجلس الأمن محكمة كهذه على لبنان”والسؤال يطرح لماذا قامت الدنيا ولم تقعد في هذه الحادثة بالذات وعلى الأرض العربية تحديدا بينما الصمت الرهيب يخيم عندما تعلن”إسرائيل”وبصفاقة وبشكل رسمي عن اغتيال قادة في الأرض المحتلة وتعتقل مسؤولين ونواب ووزراء،وما يمزق القلوب أن يغتال الشيخ الجليل المقعد أحمد ياسين العائد من صلاة الفجر لزيم الكرسي المتحرك في كبره . ذنبه أنه أراد لأبناء جلدته وبلده وشرفه الحياة….وأكثر من ذلك فنظير الحريري في المسؤولية والنهاية المؤلمة المرحوم رشيد كرامي أفرج عن قاتله،ويجري الأغراب مبتكرو ومبدعو المحكمة مباحثات معه…..وبمنتهى الألم الإنساني أرى دم الحريري رحمه الله سيسفح هدراً على طاولات وموائد السياسة،والمؤسف أن المقربين منه مازالوا لم يدركوا هذه الحقيقة ولربما أدركوها لكنهم ساروا مع التيار،وتتعدد ذكريات الاغتيال والقتل على الأرض العربية بل وفي العالم حتى،وتطوى صحائفها ولا يحقق بها بل إن حقق في بعضها تلف أوراقها في دروج النسيان……فمن يستطع إيراد حجة منطقية لهذه الواقعة وبهذا الحجم والاهتمام الدولي وبالشكل الإخراجي لها ؟00000.

 

ومن تقليعات العصر استعمال لفظ الإرهاب والتوسع به فأصبح مادة لقلب الحقائق ويكاد لايخلو حديث سياسي أو نشرة أخبار أو صحيفة أو مجلة منه،وفي اللغة العربية يعني اللفظ وفي إطار ضيق ومحدد الإخافة والتخويف تجنباً لمحاذير أكبر ومشاكل أعوص،بل ولمنع الحروب أحياناً ولذلك جاء في القرآن الكريم:”وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم”سورة الأنفال،الآية60.

 

والتفاسير المعتمدة للآية الكريمة لم تخرج المعنى عن الاحتراز وإهابة الأعداء تجنباً لمعارك يمكن توقعها،ومن اشتقاقات هذه الكلمة الرهبة والرهبانية وهي نسك وعبادة في بعض الديانات السماوية،والرسول صلى الله عليه وسلم قال:”عليكم بالجهاد فإنه رهبانية أمتي”وشروط الجهاد واضحة في الشريعة الإسلامية وملزمة.

 

ويتمادى أعداء الأمة والراغبون في الإساءة لها في تسمية المناضلين المقاومين المدافعين عن حقوقهم ليشملهم تعريف الإرهاب،فواحدهم إرهابي والكثرة منهم إرهابيون،ففي فلسطين الجريحة وعمر جرحها طال يحارب هؤلاء بكل الوسائل ويجوع شعب بأسره،وكل اتفاقات التسوية كانت تنص وبالتعبير على تسميتهم بهذا الاسم وتصرّ على نزع أسلحتهم بينما”إسرائيل”المحتلة المغتصبة التي قتلت خلال حروب عدة آلاف وما زالت تتابع القتل اليومي فذلك حق لها وليس إرهاباً…..وفي إشراقة كل يوم تنقل الأخبار من العراق العربي أخبار القتلى والذين يكاد أن يصل عددهم اليومي إلى مائة،وهذه الحالة اليومية بدأت وما زالت مستمرة وحتى اليوم منذ الاحتلال الأمريكي…..والمسّبب لكل هذه المآسي ليس إرهابياً بينما من يقاوم الظلم ويثأر لكرامته وكرامة أمته إرهابي…..إنه يدافع عن العرض والشرف والكرامة،وينتقم للمليون طفل الذين ذهبوا ضحية الحربين1991-2003،ويريد العودة لـ 4ملايين نزحوا عن ديارهم وأهلهم وخلانهم سواء داخل العراق أو إلى البلدان المجاورة-سوريا-الأردن،والجوع فتك بالبراعم الصغيرة والنساء،والفساد انتشر وبيع الأخلاق في سوق النخاسة يتم ، ذلك”حق”لا يعلو عليه حق للغزاة، المصممين على تدمير البلد والقيم،وإذكاء النعرات الإثنية والطائفية واللعب على إيقاعاتها وتواتراتها وبرأيهم وخداعهم يمثل القيم الإنسانية،ولأمريكا ماضٍ موغل بالجرائم فالتاريخ يروي كيف دمرت334طائرة أمريكية ما مساحته16ميلا ًمربعاً في طوكيو بالقنابل الحارقة مما أدى إلى قتل100ألف شخص وتشريد مليون نسمة،وتكرر ذات العمل بدرجات في64مدينة يابانية إضافة إلى ضرب هيروشيما وناغازاكي بالقنبلة النووية،والكاتب الأمريكي نعوم تشومسكي يقول:”وفي كوريا وعندما دخلت قواتنا عام1945قتلت خلال حربها مائة ألف قتيل وبين عامي1952-1973ذبحت أمريكا زهاء عشرة ملايين صيني وكوري وفيتنامي ولاوسي وكمبودي”والراهب البوذي الفيتنامي”تتشن شن هاو”يقول وبعد حديثه عن القتلى والجرحى بأنه تم تعذيب700ألف شخص واغتصاب31ألف امرأة،ونزعت أحشاء300شخص وهم أحياء،وحرق400حتى الموت،وقصفت مدينتا هانوي وهايفونغ الفيتناميتين عام1973مما أدى إلى إصابة30ألف طفل بالصمم،وطبيعي أن تمتد هذه المآثر”الجميلة”إلى البلدان المجاورة لها في أمريكا اللاتينية حيث قتل مئات الآلاف،وفي حادثة واحدة قتل الجنود الذين دربتهم أمريكا عام1981،ألف فلاح أعزل و139طفلا ًأضيف لهذا العدد قتل150ألف فلاح بيد الجيش.

 

وحتى الصومال البلد الفقير المعدم كان ذنبه أن بدأت المحاكم الإسلامية بلم شمل المقاطعات المجزئة التي كان يتحكم بها أمراء الحرب،وحكومته الحالية كانت قابعة في ركن صومالي وليس لها من الحول والطول أي شيء،وعندما نجحت المحاكم حرضت الحكومة المنسية و أمريكا إثيوبيا لتحتل البلد أملا ً بإبقائه على حالته التعيسة،والسفن البحرية تضرب مواقع في عمق الصومال ادعاءً منها بأن فيها عناصر قاعدة…..والقاعدة اسمها بالعرف الأمريكي الإرهاب.

 

وفي سردنا للأحداث المؤلمة يجب أن لا ننسى فرنسا واحتلالها لأراضٍ عربية في مطلع القرن الماضي،وللمليون شهيد جزائري كانوا ثمن استقلال بلادهم،ومن مآثر هذا”البلد الحضاري”عدوان1956على مصر، لأن الراحل عبد الناصر أمم قناة السويس من أجل تأمين تمويل بناء السد العالي……وتعاونت في تلك الفترة مع”إسرائيل”وبريطانيا المستفيدة والناهبة لعائداتها المالية في عدوانهم الثلاثي….وراح ضحية العدوان الالآف…..

 

ويحار السؤال على الشفاه شفاه البشرية جميعها أليس إرهابا إذا كان الثمن…ملايين القتلى والجرحى والدمار وأيضا أليس حقا بل وواجبا أن يدافع الأحرار عن بلدهم وحرياتهم ،وكالعادة تسعفني الحكمة المنبعثة من تاريخ هذه الأمة المجيدة فأجد الجواب لدى الشاعر أديب إسحق الدمشقي1857-1885والذي انتقل إلى بيروت ثم إلى مصر حيث أسس جريدة أسبوعية أسماها مصر،كان ذلك في عام1877وعاد في نهايات عمره إلى لبنان وتوفي فيه يقول في رائعته:

 

قتل إمريء في غابة جريمة لا تغتفر

 

وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر

 

والحق للقوة لا يعطاه إلا من ظفر

 

ذي حالة الدنيا فكن من شرها على حذر

 

وأظنني قد دفعت بالجواب على جرائم العصر ومآسيه في انتقاء هذه الأبيات , بينما القلوب تمزقها الأحداث وتدميها،ونداء يتردد صداه في الآفاق أين المنطق ؟000 ابن الحق ؟000 لماذا كل هذه الخطايا…..والارتكابات؟!….إنه الجشع الدولي والاستعمار الجديد، وأخيرا قد يخطر على بال من قرأ ما كتبت أن يسأل ، وماذا عن عنوان البداية”المنطق والقطنم” والجواب بسيط للغاية،وأتمنى أن لا يسرع أحد لمعرفة معنى القطنم فليس لهذه الكلمة أي وجود في كل معاجم اللغة…..ففي عصر انقلاب وشقلبة المنطق أجزت لنفسي قراءة وكتابة كلمة المنطق معكوسة.

 

لقد كثرت القطنمة وإن كان دعاتها يتزايدون لكن سدنة المنطق والقيم والحق يتزايدون أكثر وأكثر لأنهم يستمدون من الله العلي القدير القوة والعزيمة والوعد بالنصر.

 

أيها السادة انه عصر القطنمة .
محمد علي الحلبي

أضف تعليق