لا الثابت لا المتحول في البؤس العربي// محمدعبدالرحمن

لا الثابت لا المتحول في البؤس العربي

محمدعبدالرحمن

لا مناص ، سنياً كنت أم شيعياً (أروع تصنيفاتنا) ،علمانوياً أم إسلاموياً ،حداثوياً أم ماضوياً ، فما دمت تنطق بالضّاد أنت على لائحة البؤس العميم.

قوس قزحك سيدي رمادياً ، وحين تقول لي أنك أخضر أو أحمر فأنت إمّا واهم أو كاذب ، ففي الحالتين أنت رمادي ّ، قد تنام يسارياً لتصبح علينا يمينياً لأنك ببساطة كليهما، لامعقولك هذا، هو معقولك الوحيد ، فلا تخجل ولا تغضب ولا تزعل ولا تتململ : إنمّـا كلنا في الهـمّ غــمّ .

أنظر في المرآة سيدي ، من تـَرى يا تـُرى سـواي ، أنا أناك ، وأنت أناي ، فلا داعي إذن لأنْ تأخذني (أنا) الى النهر لكي أعيدك (أنت)عطشاناً ، هذه الثنائية ، إمتيازنا الخارق ، فرْقنا، علامتنا المسجلة في كتاب الأمم هي ملهاتنا الجذابة فلمَ الكآبة ؟. تعال إذن تعال لنتسلى بينما المشهد يتجلـّى :

مُختصرُ (الآخر) المفيد القويم يقابله إطنابيَ الإستهلاكيّ المقيم في مجازي العقيم ، وهنا ، في هذه الأرجـحـة البندولية اللامتناهية أستطيع بسيميائي أن أحيل القصدير الى ذهب ، والهزيمة الى نصر ، والعتمة الى ضياء ، والعار الى شرف ،والصالح الى طالح في متوالية تناوبية لا نظير لها سوى في تلك المنطقة الممتدة من المحيط الحائر حتى الخليج الخائر .

أنا أو أنت (مثلا لا حصراً) شيوعيان حتى العظم لكننا (شيعيان أو سنيان) حتى النخاع ، وعندما يتعلق الأمر بالدفاع عن مباديء ماركس أو لينين أو أي من عظماء الفكر الشيوعي (رحمه الله) فإننا نذهب (معاً) الى حد ( الأستشهاد) دون رميمها ، لكننا أنت أو أنا (في ذات الوقت) نمتشق سيوفنا على بعضنا البعض عندما يتعلق الأمر بدفاعك المستميت عن العقيدة الخمينية وهجومي العرمرمي على العقيدة الوهابية ، نقاتل ضد الكون انتصاراً للشيوعية (الإلحادية) ونقتتل حتى الموت ارتداداً لأصولنا المذهبية (الدينية) ، بمعنى مّا أنا إلحادي وهابي وأنت إلحادي خميني والعكس بالعكس صحيح ، فكيف يستقيم ذلك ؟! ، كيف أضع سجادتي وأصلي بوحي من العقيدة الوهابية أو الخمينية وقبلتي هي ضريح لينين؟؟ من يفعلها سوانا ؟؟ .

أجدك العشية في كهوف تورا بورا تستميت دفاعاً عن آخر موقع لبن لادن وأقرأ لك مع عشرين فنجان قهوة صباحاً مقالة كيلومترية من التبشيرالخلاق بالفكر (المابعد علماني) . تراني أتسلل ليلاً مع فرق موت (طائفتي) لأذبح أول متعوس أصطاده من (طائفتك) وتكتشفني عصراً على رأس المحاضرين في قاعة المخدوعين بتنظيراتي السوبرتسامحية تحت شعار (الطائفة لله والوطن للجميع) . هكذا سيدي نتناوب أنا وأنت على خداع الذات . هكذا أذبحك وتذبحني بذات سكينة التعصّب الإرتدادي العدمي العمياء ، هكذا عندما أكتب لأنتقد تقيـّة سياسة أحمدي نجاد القمـّية فإنك تضيفني الى قائمة قتلة سيدنا الحسين ، وهكذا عندما تكتب أنت لتحتج على بلاوى المتحزمين بديناميت (الجهاد الضّرير) فسأسميك أبي لؤلؤة المجوسي الذي قتل سيدنا عمر .

وعلى هذا المنوال الجوال نتدحرج أنا وأنت معاً في ما لا حضيض لها من هاوية الضياع الحلزونية في كل ما يتعلق حتى ببديهيات الحياة ، وإلا : كيف نقتتل في غزة على الزنزانة المسماة سلطة وطنية فوق أرض لا سيادة لنا عليها ؟! ، كيف أحرر أنا فلسطين على جثتك وتطرد أنت الإحتلال على أشلائي ؟! من جهة يسلـّحك عبدة (رحمن)إسرائيل الأمريكية لتقتلني ومن جهة يسلـّحني رجَمة (شيطان) أمريكا الإسرائيلية لأقتلك ، وفي المحصلة يتوجه رأسي ورأسك في قبرينا إلى الكعبة كشهيدين ـ كافرين . أهنالك (رحمن رجيم ) و(شيطان رحيم) سوى في المعابد (الشروق أوسطية) ؟!.

خذ فنتازيا العراق ، وقلـّب على مهلك مائة قناة فضائية (وطنية) ،فسترى مياهها (بعكس دجلة والفرات) تصب في أي مكان سوى شط العرب ، ستجد نفسك تحشـِّـد نفسك على نفسك وتختلف معها حتى على تعريف العراق ، هو عربي وغير عربي ، سني بالمطلق وغير شيعي بالمرة ، شيعي بالمطلق وغير سني بالمرة ، هو في (ديمقراطية) البرلمان المحروس بحراب وكلاب الأمريكان (قوس قزح) وفي فوضوية الشارع الغارق بدماء عصبية الإنتماء العمياء (سوق هرج ) ، هو (أخضر) في (فالوله) وحيدة على وجهه و(يابس) في بقية أنحاء جسده ، إنه (شـدّة ورد )على منبر الخطاب الرئاسي وأشتات من العروق العجفاء في سائر خرائب الوطن . حتى الله في العراق محل شقاق ، أنا أجزم أنّ الخالق تخلـّق فحسب لكي يخلق الأئمة الإثني عشر وكفى ، وأنت تقسم بأنّ الخالق تخلـّق لينتهي دوره عند الخليفة الرابع ، وعندما نحتكم حول هذا الخلاف فلا نلجأ الى القرآن الجامع وإنما الى فرقاء التأويل المستحيل ، أنا أذهب الى (مفتي الحوار البيزنطي) وأنت تطرق باب (آية الله السفسطائي) ، الأول يضعك على لائحة (الروافض) والثاني يحيلني الى جدول (النواصب) فننتهي أنا وأنت الى جثتين مجهولتي الهوية في مزبلة (إسلاموية) واحدة ولا نجد من يقرأ الفاتحة على روحينا سوى المؤمنين الأمريكان ولا نرى من يغطي عورات أيتامنا في الملاجيء الأوشفيتيزية النازية سوى المحررين العطوفين الأمريكان ، لكنّ طوابير من سيثأرون (لي ولك) لن تتوقف حتى تأتي على آخر مئذنة (نواصبية) وأخر قبـّة (روافضية).

أما في لبنان (المُعَرقن) أصلاً فيكفيك وأنت المحجوز في زنزانة الكآبة الوطنية أن تتفرج على أربع صور الأربع حيطان حتى تحلـّق في سابع سماوات الهذيان ، فمن حائط جنبلاط الى حائط نصرالله الى حائط سعد الحريري الى حائط عون تروح تضرب رأسك متنقلاً عن غير هدى الى أن يهديك الجنون الى الراحة المطلقة ، بحيث عندما أسألك تالياً عن إسمك فستجيبني بكامل الهدوء والثقة : أنا الجنرال عون الحريري إبن نصرالله الجنبلاطي !!.

وبالطبع ،فإن هذه الملهاة العربية العدمية : من سيواصل التصفيق لها أكثر من المتشمتة إسرائيل ؟؟ ، إسرائيل الصهيونية المغتصبة العنصرية التي تعـيّرك بجزيرة (ديمقراطيتها ) التداولية الوحيدة الفريدة في محيط شرق أوسطي لايضاهي وحشية (إرهابييه) سوى طغيان ديكتاتورياته ، وفي الأخيرة معها كل الحق ، فليس هنالك على هذا الكوكب من فلسفة سلطوية تستطيع أن تنافس الفلسفة السلطوية العربية كما يتحفنا بها وعّاظ السلاطين ، هؤلاء الذين يستبيحون عقول أولادنا في المدارس بمناهج تربية (وطنية) تبدأ بصورة (وسورة) ونشيد الزعيم الخالد وتنتهي ( بسورة) وصورة ونشيد إبنه العائد في انتخابات الحزب الواحد وبرلمان القطيع الوديع المطيع.

لكنّ الأتعس من كلّ ما تقدم يا سيدي هو ادعاءنا (أنا وأنت) براءتينا من ذنبينا ، فكلانا يوسف وكلانا في غيهب الجُب، أنا حادي عشر أخوتك الخونة مثلنا أنت حادي عشر أخوتي الخونة ، فإذا أصاب الزكام وليد بيك جنبلاط أرجع السبب الى فيروسات دمشقية وإذا داهم المغص معدة نوري المالكي حمل المسؤولية للجراثيم العربية التكفيرية القادمة من وراء الحدود ، وإذا تنافس فتحاوي مع حمساوي في غزة حد الإقتتال على أخر بطيخة عند بائع خضار فسيقولان إنها مؤامرة عربية ، وإذا صاح احد المصريين بوجه الإستئثار الحكومي بالبرلمان والبرلماني بالحكومة : (كفاية)، راحت عصى الطوارئ الغليظة تفلق رؤوس الناس باعتبارهم عملاء دخلاء لحلف إنقلابي أمريكيي ـ بن لادني!!. فاللبناني ملاك وبقية العرب شياطين والعراقي حَمل وبقية العرب ضباع والفلسطيني جرح وبقية العرب ملح والخليجي جَمل وبقية العرب سكاكين …، وفي النهاية سنكتشف أننا ثلاثمائة مليون يوسف في جُب واحد وما من قافلة ستصغي الى صرخات استغاثاتنا لتنتشلنا من قعر مأساتنا كما لا أحد سيعود الى أبينا يعقوب ليكذب عليه بقصة الذئب الذي أكلنا.

فيا لوحدك يا يعقوب العرب ويا لبؤس عديد أبناءك قادة وفقهاً وسياسة وفكراً وأحزاباً وطوائفاً وفرقاً ومذاهباً لا هي بالثابتة ولا بالمتحولة وحتى وهي في غيهب الجب تراها تتخبط بين الخيبتين .

m.abdelrahmaan@yahoo.com


أضف تعليق