المشروع الصهيوني بين فشلين//حسام رمضان أحمد

المشروع الصهيوني بين فشلين

حسام رمضان أحمد

يعيش المشروع الصهيوني حالة بين الفشل التكتيكي والفشل الاستراتيجي، الذي يلقي بظلاله على الأداء المرتبك للقيادات السياسية والعسكرية والأمنية، فالشعور بالمرارة والخيبة التي بدت في تصريحات قادة الكيان على اثر تنفيذ صفقة التبادل مع حزب الله التي رجع بموجبها سمير القنطار ورفاقه الأربعة يمشون بزيهم العسكري بزهو يفتقده القادة الصهاينة أنفسهم.

هؤلاء القادة الذين ينتظرون إذلال واستخفافا واحتقارا اكبر عندما ينفذون صفقة التبادل مع المقاومة الفلسطينية في غزة، والتي ستدوس بحذائها كل قرارات الكنيست ومجلس الوزراء الصهيونيين، حينما يرغم القادة الصهيانية على إطلاق سراح 450 مجاهد منهم عدد كبير شارك ونفذ عمليات قتل لجنود صهاينة، إضافة إلي أسرى الشرعية الفلسطينية.

(إسرائيل) التي تطل اليوم من وحل ذلها لتهدد باغتيال سمير القنطار لن يتجاوز تهديدها حد القول لان حساب اغتيال الشهيد عماد مغنية لم تدفع ثمنه حتى اللحظة، وهي بالتالي لن تبادر إلي استعجال ميعاد استحقاق ثمن قتل الشهيد مغنية.

الآن وفي ظل توقف المفاوضات علي شاليط بسبب عدم التزام (إسرائيل) بشروط التهدئة، تبدو إسرائيل أكثر استعجالا لإنهاء هذا الملف من أي وقت مضي أملا في أن تعيد احد جنودها وهو يمشي سيرا على الأقدام، وخوفا من أن يصبح مصيره مثل رون أراد في ظل تعالي الأصوات المنادية بإعادة شاليط مقابل أي ثمن، بمعنى أن التراجع عن قرارات الحكومة الصهيونية والكنيست الصهيوني أصبح ذو شعبية عالية في ظل حالة الذلة التي يعيشها الكيان في هذه الأيام.

وفي موضوع استمرار الحصار في ظل التهدئة، تعول (إسرائيل) كثيرا علي استمرار القطيعة بين الرئيس محمود عباس وبين حكومة هنيه في غزة من خلال تعزيز الوهم الذي يجري خلفه الرئيس عباس في لقاءاته الكثيرة والطويلة مع أولمرت والتي تصل إلي ما يزيد علي الثلاث ساعات في بعض الأحيان ويجري الحديث في معظم وقتها عن قضايا شخصية كما صرح بذلك الرئيس عباس الذي يرى في هذه اللقاءات مسوغ لاستمرار مشروع التسوية الذي لم يبقى منه إلا الأحاديث الشخصية بينه وبين رئيس الحكومة الصهيونية، بينما يرى أولمرت في هذه اللقاءات منقذ له من تزايد تراجع شعبيته في استطلاعات الرأي بعد تورطه في عدد من قضايا فساد.

أما على المستوى الاستراتيجي فإن الفشل أصبح ملازما للمشروع الصهيوني علي مستوى المشروع السياسي، وتراجع قدرة الردع للجيش الصهيوني، وعدم القدرة على كبح المشروع النووي الإيراني.

فمنذ أن طرحت (إسرائيل) فكرة الحكم الذاتي للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة في مباحثات السلام مع الرئيس السادات، كانت ترى في هذا المشروع الذي أعيد إحياؤه في مدريد مخرجا لإنهاء الصراع في المنطقة والذي تطور مع الوقت من غزة أريحا أولا في مفاوضات أوسلو السرية إلي دولتين لشعبين في المفاوضات المباشرة مع منظمة التحرير، حيث صاغت اللقاءات مع الفلسطينيين جوهر وطبيعة الحل المبني على أساس إسقاط حق العودة وتعديل الحدود والتفاوض على القدس، وهذا الحل الذي وجد قبولا إلى حد ما عند الشريك الفلسطيني الذي استنفذ لآخر درجة عبر اللقاءات العبثية والتنسيق الأمني المباشر وغير المباشر حتى فقد شعبيته وفقد مبررات وجوده لأنه أصبح يمثل الرؤية الصهيونية في الحل والتي تتناقض كثيرا مع الأهداف التي نشأت عليها منظمة التحرير، التي أصبحت بذلك منسلخة عن أصلها، وأصبح هدف الرئيس عباس الآن التوقيع على أي وثيقة مع شريكه أولمرت يمكن آن تطيل في عمره إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية والأمريكية الم قبلة، ومن جهة أخرى تمنع (إسرائيل) أي فرصة لإقامة دولة فلسطينية من خلال سياسة الاستيطان التي تمارسها على الأرض، لعدم قدرتها على التوحد خلف مشروع سياسي واحد.

منذ الانسحاب من الجنوب اللبناني مايو 2000، والانسحاب من غزة في 2005 وقدرة الجندي الصهيوني على القتال أخذة في التراجع بسبب صور الهزيمة التي لا تغادر مخيلته، (فإسرائيل) التي تحتفظ اليوم باثني عشر ألف أسير فلسطيني لم تتمكن من نقل أي أسير لبناني من معتقل الخيام في الجنوب اللبناني، ولم تطلع حتى حليفها أنطوان لحد على موعد الانسحاب، ففرت القوات الصهيونية تاركة بعض عتادها ووثائقها وحواسيبها، إضافة إلي حرب تموز الخاسرة التي خاضتها (إسرائيل) لتحرير الجنديين من اسر حزب الله وخسرت فيها ما يزيد على 160 صهيوني.

في عام 2005 كان شارون يتحدث عن فك الارتباط من طرف واحد عندما اضطر للانسحاب من قطاع غزة ولم يجد له أي غطاء سياسي بسبب فشل المفاوضات، ومنذ ذلك الوقت تهدد (إسرائيل) باجتياح قطاع غزة ولكن لا تجرؤ إلا على عمليات جس نبض تنتهي بفشل الهجوم أمام صلابة المقاومة الفلسطينية التي تفاجئها بجديد في كل مرة، علاوة علي قيام المقاومة الفلسطينية في غزة بأسر شاليط الذي يبعد عن المواقع العسكرية الصهيونية بعض الكيلوات من الأمتار لمدة تزيد عن العامين تفشل فيها المخابرات الصهيونية من تحديد مكانة رغم وجود جيش من المتعاونين قبل فشل الانقلاب في غزة في يونيه 2007م.

اليوم حيث تعتمد (إسرائيل) علي سلاح الطيران تواجه حسب التقارير الصهيونية منظومة صاروخية متطورة لا يستطيع الطيران الصهيوني أن يتفوق عليها في حين تستطيع هذه المنظومة الصاروخية الوصول إلى كل شبر في داخل الكيان الذي اخذ جيشه يفقد قوته في الردع مع الوقت.

ويسجل مع هذا كله عدم قدرة الدبلوماسية الصهيونية علي حشد الرأي العام الغربي في مواجهة مساعي إيران النووية، بل أصبح الشك يدخل قلوب القادة الصهاينة بسبب تقاطع بعض المصالح الإيرانية الأمريكية فيما يخص الساحة العراقية في ظل تراجع المشروع الأمريكي علي العراق. هذا كله يدفع السؤال التالي إلى الأمام: ماذا سيفعل الغرب لإنقاذ (إسرائيل) التي يكسوها الفشل يوما بعد يوم؟

أضف تعليق